ماذا لعب أطفال سورية في العيد؟ ...
مقالات واراء
شارك
لم يكن مشهد البنادق البلاستيكية بين أيدي أطفال الحيّ صباح العيد هذه السنة عادياً، لقد لخّص لي مسرحية الوطن اليومية. لقد تجمّع عُمر وعلي وإسماعيل في دوريّة اقتحمت منزل سعيد واحتجزت الأطفال فيه في عملية ناجحة، لكن ما شدّني إلى اللعبة هو طلب عمر، رئيس الدورية، "هويّات" الأطفال المعتقلين كي يتم التدقيق بها فيُؤخذ المُسيء، ويُترك البريء! تساءلت، كيف كسب هؤلاء الأطفال مهارات الاقتحام؟ وما هو شكل الوطن الذي سيبنيه أطفال شهدوا مسرحية سورية اليوم؟
يَعْرف علماء النفس أنّ الأطفال مرآة نقيّة، تعكس ما ترى بوضوح تام، لا يغيّر صورتها مصالح شخصية أو تعصّبات فئوية أو رغبة سلطوية، فإذا ما أردت دراسة الحالة الراهنة لمجتمع ما، يكفيك البحث في حال الأطفال، لأنها أصدق الأحوال. يتعلّم الطفل الياباني مهارات الحاسوب، ويخطط الأوروبي لمهنة مستقبله، بينما يحمل أولاد حيّنا بندقية، إلى أين يسير وطني يا ترى؟
يتأثر أطفال بلدي بما يشهدونه واقعاً أمامهم أو عبر الفضائيات. نرى المشهد معقّداً لكن بصيرتهم تفسّره بسيطاً. يرَون المختلفين إخوة، ونراهم أعداء. يرون البندقية لعبة، ونراها دماء. لا ينطبق قاموسنا على قاموسهم، ولا همّنا على همهم، فلماذا نجني على أنفسنا وعليهم؟ كيف سمحنا للأزمة الحالية أن تغذّي بِذار الوطن بماء الفتنة العَكِرة؟ هل جفّت الآبار التي روت أبطال سورية العِظَام؟ ما أسوأ مستنقعات الكُره والتباغض والقسمة! أيّ ثمر ستقطف سورية بعد ذلك؟
لا يمكننا عزل الأطفال عن أزمتنا، لأن المشهد أمامهم ولا يمكن إخفاؤه، يمكننا أن نريهم براعتنا في حلّ وطني يسير بنا وبهم إلى شاطئ الأمان. يردّ هذا الحل للمظلوم حقه، ويحفظ لكل الشركاء في الوطن كرامتهم، والأهم يُنجي سورية من أسوأ ما هو قادم لا سمح الله.
يحبّ عمر وعلي وإسماعيل البنادق البلاستيكية، لكنّ إيماننا بسورية سيمنع تحوّلهم في السنوات القادمة إلى مُجنّدين في أزمة أوسع، تُستخدم فيها البنادق الآلية بدل البلاستيكية، ولا تُطلب فيها هويّات الناس، ولا يُميّز بين المُسيء والبريء، بل يسيل الدم السوري بدون سبب. لا يظننّ السوريّ أن العزّة سهلة المنال، بل تحتاج إلى الكثير من التضحيات من أبواب الحكمة والتسامح والعدالة والمساواة. فليبادر جميع من تحت سقف سورية إلى بذل هذه التضحيات، عسى أن يرى وطننا الفرج قريباً، ويستعيد أطفالنا صورة الوطن القدوة، بقادته وعلمائه ومفكّريه، فَيَصْطَلِحَ البُرعم وينمو على ما فيه خير سورية العزيزة.