الرفق والتأني:
إنَّ في تعاليم الإسلام وآيات القرآن من الحِكم والأسرار والمنافِع ما يعجز الإنسانُ أن يحيطَ ببعضه، وإنَّ من الحِكم العظيمة التي دعا إليها الإسلام مقابلةَ المسيء بالإحسان والعفو والصفح، والإعراض عن الجاهلين.
أعْرِف صديقًا بدَرَ لي منه إساءةٌ، وأتبعها بإساءات، وفكَّرتُ في مقابلته بالمِثل وأكثر، وانشغل ذِهني ورددتُ في نفسي: مَن الذي يقلب لصديقه ظهرَ المِجَنّ، ويحاول الإضرار به، والوشاية والتحريض، ووجدتُ أنَّ نتيجة الخِصام لن تكون هي الطريقَ الأسلم، وتجاهلتُ إساءاته، فعاد يُكفِّر عن خطيئته، وبإشارات لطيفة أفهمتُه أنني علمت بما صدر منه نحوي، وكان موقفي معه موقفًا أذهله، خاصَّة وأنه لم يقتصرْ على الصفح، وإنما تجاوزه إلى الحفاوة به وتكريمه؛ عملاً بقول الله – تعالى -: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الإسراء: 53]، لقد أصبح هذا الرجل يُثني، ويُنوِّه ويمدح، وندم على ما بدَرَ منه، وما برحتُ أتمنَّى أن أُعامِل أصدقائي بمثل معاملتي لهذا الصديق الذي كان الحِلمُ والصفح سببًا في اكتساب وُدِّه، وبقاء أواصِر الصداقة متينةً قويَّة، بل إني أودُّ أن تكونَ هذه حالي مع مَن يبدُر منه إساءةٌ لي، وإن كنتُ في حالات لا أكون كذلك، ولكنِّي أعاتِب نفسي بعدَ ذلك وألومها، وأعِدُ بأنِّي لن أكرِّر الغضبَ ومقابلةَ السيِّئة بالسيِّئة، وأرجو أن أستطيع.