حسنات الحضارة ومساوئها:
تعيش بلادُنا عصرًا ازدهرتْ فيه الحضارة الصناعية، وبلغت الاختراعات فيه حدًّا هائلاً من التطوُّر، والسرعة والتفنُّن.
فالطائرات النفَّاثة والصواريخ، والقنابل الذرية والهيدروجينية، والسفن الفضائية، وأنواع السيارات والطائرات، كلَّ يومٍ في تطور وتقدم، والحضارة التي كان مِن ثمارها ناطحاتُ السحاب - كما يسمُّونها - والأشعة السِّينية، والآلات الدقيقة، ازدهرتْ في مجتمعات يكاد التحلُّل الخُلقي، والنظرة المادية البحتة، وإنكارُ ما وراء المحسوسات، يكون الصِّفةَ المميِّزة لها.
ونحن نقف على مفترق طرق، فهل نرفض الحضارةَ بخَيْرِها وشرِّها، بصناعتها وماديتها؟ أم نتقبلها على علاَّتها، ونأخذها بشرورها ورذائلها؟
إنَّ النظرتين خاطئتان، والواجب أن نُميِّز بين ما نأخذ وما نَذَر، وأن نستفيد من الحضارة بالقَدْر الذي لا يَمسُّ دِيننا وآدابنا وتاريخنا، فلا جُمودَ ولا تحلل، ولا انزواء ولا هوس، بل استفادة مع دِين، وقَبول بتعقُّل، بين الإفراط والتفريط.
إذا طلبتَ الندب المهذَّب الذي لا عَيْب فيه ولا نقص يشوبه، وتصوَّرتَ شروطًا تحسبها لا بدَّ أن تتوفر في الصديق، وفسرتَ كلَّ كلمة يقولها على أسوأ التفسير، ولم تَجِد لها من الخير محملاً، فإنَّك تُكلِّف نفسك عناءً طويلاً، وستضطر إلى أن تَقِف بمفردك بلا صديق يواسيك أو يُسلِّيك، أو يتوجَّع، ولن تَلْقى صاحبًا يحزن لحزنك، ويُسرُّ لمسرَّتك، وعلى نفسك جنيت، وفي أصدقائك فرطت، وإذا كنتَ عادلاً تحملتَ زلَّةَ الصديق، وتسامحتَ عن خطأ الصاحب، وصفحتَ عن أذى الإخوان، وبِذَا تنال المكرمة، وتنال الثقة والمودَّة.