تحتاج المجتمعات دوما إلى شخصيات قيادية تستطيع التأثير الفعال في مسيرتها نحو الأصلح , كما تستطيع أن تجعل من نفسها نماذج تطبيقية لما ينبغي أن يكون عليه القائد المسلم الناجح المؤثر ,كما يحتاج كل عمل ذي أهمية وأثر أن يتولاه قائد حكيم ذكي ناجح , ونحاول معك أيها القارىء الكريم ههنا أن نتفقد معا أهم صفات هؤلاء القادة ..(**)
** ربانية القيادة
وأعني بها ههنا تقويم تفاعلات قلب القائد وعلاج أمراضه, فإن الله سبحانه قد أمر بتطهير القلب وتزكيته وتخليصه من درنه ومرضه, قال ابن القيم رحمه الله: في قوله _تعالى_ " وثيابك فطهر": جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب هنا هو القلب, بل قال سبحانه عن الفاسدين والمبعدين عن رحمته وفضله " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب أليم " فجعل عدم تطهير تلك القلوب من أهم الأسباب الموجبة للعذاب, قال _صلى الله عليه وسلم_: "ألا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ " رواه البخاري ومسلم , وقال الله سبحانه: " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ " فقدم التزكية على التعليم من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إليها, فالأصل هو: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد, وقد علمنا الشرع الحنيف أن الله _تعالى_ لا يقبل من الأعمال إلا ما خرج من قلب سليم فقال سبحانه " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " والقلب السليم هو الذي خلصت عبوديته لله سبحانه وخلص عمله له وهو السالم من كل شبهة وشهوة تخالف أمر الله وخبره _سبحانه وتعالى_, وتفاعلات القلب التي أؤكد عليها ههنا أن ينتبه إليها القادة هي صراعاته التي تحدث في داخله بين مراداته الصالحة من الإصلاح والتأثير الإيجابي إلى طغيان أمراضه الخبيثه من الأثرة وحب الذات والوقوع في الظلم والمظالم ..
** القناعة بالمهمة :
إن الإيمان بالمهمة ، والاضطلاع بتكاليفها ، والتضحية في سبيل تحقيقها ، لن يأتي إلا حينما يكون الهدف واضحاً في ذهن القائد ، ويؤمن بتحقيقه ، وينقل ذلك إلى شعور الآخرين وهذا يبعث في الناس الشجاعة والعمل ، حين يرون بذله لطاقته وتشجيعه المستمر لهم ، مما يشيع الثقة عند الأتباع ، فتتقدم الأعمال , وإنما يتحقق ذلك بأن يعتقد بإمكانية الوصول إلى ما يهدف , وأنه ليس هناك في الوصول إلى الهدف مهمة تافهة بل قيمة كبيرة , ثم ههنا أمر آخر وهو الحكمة في تلقي مهمة القيادة والترو في النظر إليها والهدوء اثناء دراستها , وتجنب الحماس الشاذ أو الامبالاة المميتة , ولاشك أن الحكمة وضبط النفس ، لهما من الثمرات الكثير ، وتحققان من الأعمال ما لا تحققه الكلمات الجاذبة ، وذلك لأنهما يحققان جواً من الطمأنينة ولنتذكر كيف لاقى الصديق رضي الله عنه مصيبته في فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال : ما أطيبك ميتاً ، ثم رد عليه البرد ، خرج على الناس وخطب فيهم قائلاً : ( أيها الناس إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) ... ثم تلا الآية : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ... " الآية .. آل عمران 144 ( ابن هشام 4/442 ) .
** المعرفة بمن حوله ..
التابعون هم العناصر الرئيسة التي يعتمد القائد عليها ، ولذلك فمعرفته بهم عن كثب ، تصنع انسجاماً فريداً متبادلاً معهم ، وتدفعهم لتقديم الجهود والإبداع في عملهم ، كما أنها تقوى صف الجماعة فتجعله كالبنيان المرصوص ، فمعرفة الرجال فرصة للقائد لمتابعة الأعمال عن قرب ، ومعرفة الحقائق ، كما أنها تشجعهم على البوح بأسرارهم ورغباتهم وتوجهاتهم للقائد ، فتمتزج القلوب وتتلاقى الأرواح في كيان واحد ، إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، ولذلك كان حرص القائد عمر بن الخطاب على الرجال ، فكانت وصيته لكل قائد : " لا تقدم المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة ، ولا تنزلهم منزلاً قبل أن تستريده لهم ، وتعلم كيف مأتاه " ( الطبري 3/9) .
وحينما رأى أبو بكر الصديق تساوي القادة في المقدرة ، وليس بينهم من يقرون له بالتفوق حتى يجتمعوا عليه ، فكر الخليفة كثيراً في الأمر ، وأخيراً اهتدى إلى استخدام الأصلح ، والمناسب للحال ، فتقدم الحل إلى مجلس الشورى قائلاً : "والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد " ( ابن كثير 7/5) .