مقدمة الدراسة:
تلعب البيئة التي يعيش فيها الكفيف دوراً فعالاً في تكوين شخصية الكفيف نظراً للمواقف البيئية التي يغلب عليها سمات المساعدة والمعاونة المشوبتين بالإشفاق، وبين المواقف التي يغلب عليها سمات الإهمال وعدم القبول، وتقع بين هذين الطرفين المتطرفين الموافق المعتدلة التي يغلب عليها سمات المساعدة الموضوعية التي تستهدف تنظيم شخصية الكفيف حتى تنمو في اتجاهات استقلالية مقبولة، ويترتب على تلك المواقف الاجتماعية المختلفة ردود أفعال تصدر عن الطفل الكفيف مع بيئته ومدى قدرته على تحمل ما تحمله البيئة من حوله من ضغوط.
إن فقد حاسة الإبصار يفتح المجال لظهور سمات شخصية غير سوية في البيئة النفسية لدى المعاق بصرياً كالانطواء والعزلة والميول الانسحابية ( عبد الفتاح عثمان،1998: 58).
وإن معرفة خصائص المعوقين بصرياً تعتبر ضرورية لأولياء أمورهم من أجل التوصل إلى أفضل الطرق والأساليب للتعامل معهم. فالإعاقة البصرية مثلها مثل الصعوبات والإعاقات الأخرى تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على جوانب النمو المختلفة للفرد، ولا بد من الإشارة إلى أن المعوقين بصرياً كغيرهم من الأفراد ليسوا مجموعة متجانسبة إذ أن بينهم فروقاً فردية ويختلفون في خصائصهم وإحتياجاتهم تبعاً لطبيعة الصعوبة البصرية ودرجتها والسن التي تقع فيها، والبيئة المحيطة بالفرد المصاب بالإعاقة البصرية.
وقد لوحظ أن المعوق بصرياً أكثر من أقرانه المبصرين عرضه للقلق، خاصة في مرحلة المراهقة نظراً لعدم وضوح مستقبله المهني والإجتماعي وما يواجه من صعوبات في تحقيق درجة عالية من الاستقلالية والتي يسعى لها جميع المراهقين في العادة. ( يوسف القريوتي وآخرون، 2001 : 168 ).
وقد أشار بول Paul (1987) إلى أن الأطفال الذين تعرضوا للمعاملة السيئة من الوالدين كانوا أكثر تعرضا للكأبة النفسية والعصبية الذاتية وانخفاض قيمة الذات عن الأطفال العاديين، وأنهم يعانون ضغطاً نفسياً بدرجة كبيرة، مما يؤدي إلى حالة من الإحباط الشديد والتي تؤدي إلى الشعور بالتوتر النفسي المزمن وإلى الشعور بالقلق والعداء، ويثير الخوف والقلق والشعور بالذنب الذي تشعر به الأم والأسرة من أهم مصادر الضغوط النفسية.
ويعتبر نموذج لازاروس Lazarus في تفسير الأحداث الضاغطة من أهم النماذج المعرفية حيث يشير إلى أن شعور الفرد بالتهديد والعجز عن السيطرة على الموقف، يتوقف على تقييمه المعرفي لهذا الموقف، ويتفاعل إدراك الفرد للتهديد نحو ذاته في موقف ما على طبيعة السمة التي تجعله في حالة توتر وقلق زائد وشعور بالضغط ( شوقية السمادوني، 1993: 70 )
ويرى لازاروس أن التفاعل بين الشخص والبيئة ...يقوم على ثلاثة تقييمات مختلفة كالتالي:
- إدراك الفرد للموقف الضاغط أو الحديث ذاته وما ينطوي عليه من تهديد لأمنه وصحته النفسية وتقديره لذاته.
- الوسائل المتبعة لمواجهة هذا الضغط أو الأثر المحتمل في الموقف.
- إعادة التقييم المعرفي للأحداث في ضوء نجاح الفرد أو فشله في مواجهة الضغوط ( فيليب Phillip ،1998:176 ).
مشكلة الدراسة:
للكفيف حاجاته الخاصة التي يجب أن تُشبع، ومن الأكثر إحتمالاً أن يتعرض الكفيف لأنواع من الضغوط التي قد تؤثر على توافقه النفسي إزاء عدم إشباع تلك الحاجات، لذا تنحصر مشكلة الدراسة الحالية في محاولة الباحث للتعرف على الضغوط النفسية للكفيف وأثرها على توافقه النفسي.
ويمكن صياغة مشكلة الدراسة فيما يلي:
1- ما هي أكثر الضغوط النفسية تأثيراً على المراهق الكفيف؟
2- هل توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين الذكور والإناث على مقياس الضغوط النفسية لديهم؟
3- هل توجد علاقة ارتباطية دالة بين الضغوط النفسية لدى المراهق الكفيف واتجاهات الأب نحو الإعاقة كما يدركها الكفيف؟
4- هل توجد علاقة ارتباطية دالة بين الضغوط النفسية لدى المراهق الكفيف واتجاهات الأم نحو الإعاقة كما يدركها الكفيف؟
5- هل توجد علاقة ارتباطية دالة بين الضغوط النفسية لدى المراهق الكفيف واتجاهات إخوته نحو الإعاقة كما يدركها الكفيف؟
6- هل يمكن التنبؤ بالضغوط النفسية لدي المراهق الكفيف من خلال بعض الاتجاهات نحو الإعاقة البصرية؟
أهمية الدراسة:
ترجع أهمية الدراسة الحالية إلى أهمية الموضوع الذي تتناوله وهو الضغوط النفسية لدى المراهق الكفيف حيث يأتي عدم إشباع الكفيف لحاجاته وشعوره بالتوافق وذلك من خلال الضغوط النفسية التي يتعرض لها. وتزداد الضغط النفسية لدى الكفيف بزيادة الاتجاهات السلبية لدى أفراد أسرته نحو الإعاقة البصرية.
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة الحالية إلى تحقيق العديد من الأهداف ومنها:-
1- التعرف على نسق الضغوط النفسية الأكثر إنتشاراً التي يتعرض لها المراهق الكفيف.
2- الكشف عن العلاقة الإرتباطية بين الضغوط النفسية للمراهق الكفيف واتجاهات الأب نحو الإعاقة.
3- الكشف على العلاقة الارتباطية بين الضغوط النفسية للمراهق الكفيف واتجاهات الأم نحو الإعاقة.
4- الكشف عن العلاقة الارتباطية بين الضغوط النفسية للمراهق الكفيف واتجاهات الإخوة نحو الإعاقة.
5- الكشف عن المعادلة التنبؤية لمستوى الضغوط النفسية من خلال إتجاهات الأسرة نحو الإعاقة البصرية كما يدركها الكفيف.
مصطلحات الدراسة:
* الضغوط النفسية:
يوضح ( زيدان السرطاوي، عبد العزيز الشخصي، 1998: 15) أن الضغط النفسي هو ما يحدث للفرد عندما يتعرض لمواقف تتضمن مؤشرات يصعب عليه مواجهة متطلباتها، وبالتالي يتعرض لردود فعل انفعالية وعضوية وعقلية تتضمن مشاعر سلبية وأعراض فسيولوجية تدل على تعرضه للضغط.
ويعرف "هاينز سيلي" الضغط النفسي بأنه الاستجابة غير النوعية للجسم لأي طلب دافع، كما أنه الطريقة اللا إرادية التي يستجيب بها الجسد باستعداداته العقلية والبدنية لأي دافع وهو تعبير عن مشاعر التهديد والخوف قبل إجراء العملية الجراحية ( هارون توفيق الرشدي، 13:1999 ).
ويعتمد الباحث علي التعريف الذي يشير إلي أن الضغوط النفسية هي تلك التي يشعر بها المراهق الكفيف تجاه أسرته وتجاه إحساسه بضعف قدرته علي الإنسجام مع ذاته وضعف ثقته بنفسه بالإضافة إلي شعوره تجاه علاقاته الإجتماعية وعلاقته بالجنس الأخر ورغبته في تكوين أسرة 0
* الاتجاه نحو الإعاقة:
هو مدى تقبل الإعاقة أو رفضها وذلك كما يدركه المعوق (عطية عطية، 22:1990).
* تعريف الإعاقة البصرية:
من وجهة النظر الطبية فإن الشخص الكفيف هو ذلك الشخص الذي تقل حدة إبصاره بأقوى العينين بعد التصحيح عن 6/60 أو 20/200 أو يقل مجاله البصري عن زاوية مقدارها 20 درجة ( Chapman et al, 1988 )
وهذا التعريف هو التعريف المعتمد قانونياً في الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية، وفي حقيقة الأمر أن هذا التعريف يعد أكثر تساهلاً من غيره من التعاريف في تحديد كف البصر.
ومن وجهة النظر التربوية، فإن الكفيف هو من فقد القدرة كلية على الأبصار، أو الذي لم تتح له البقايا البصرية القدرة على القراءة والكتابة العادية حتى بعد استخدام المصححات البصرية، مما يحتم عليه استخدام حاسة اللمس لتعلم القراءة والكتابة بطريقة برايل ( يوسف القروتي وآخرون، 2001 : 152 ).
الإطار النظري للدراسة :-
* أولاً: الضغوط النفسية:
يشير الضغط النفسي إلى الإحساس الناتج عن فقدان المطالب والإمكانيات، ويصاحبه عادة مواقف فشل، حيث يصبح هذا الفشل في مواجهة المطالب والإمكانيات مؤثراً قوياً في إحداث الضغوط النفسية ( ماك جراث Grath mc ، 1970 : 20-28) .
وتشير كلمة ضغط إلى الجهد الذي يؤدي إلى الإجهاد أو الانفعال، وتظهر هذه الضغوط عندما يتعرض الفرد إلى صعوبات بيئية مثمرة مادية ومعنوية وجسمية ونفسية، يحاول فيها الفرد التغلب على تلك الصعوبات بوسيلة أو بأخرى من وسائل التكيف مع الظروف البئية ليحتفظ بحالة الاستقرار، وتشكل تلك الصعوبات إجهاد على الفرد لا يمكن التغلب عليه وإعادة التوافق. ( وليم الخولي، 1976 : 426).
والضغوط النفسية هي الصعوبات التي تواجه الإنسان، وتستلزم منه مطالب قد تكون هذه المطالب تفوق قدراته وإمكاناته، مما يؤدي إلى وقوعه تحت الضغط النفسي أو التأزم النفسي، وتنحصر مصادر الضغط النفسي في الإحباط والصراع والضغوط الاجتماعية ( انتصار يونس، 1978 : 307).
والضغوط النفسية هي إحدى ظواهر الحياة الإنسانية يخبرها الإنسان في مواقف أو أوقات مختلفة تتطلب منه توافقاً أو إعادة توافق مع البيئة، وليس بالضرورة أن تكون الضغوط ظاهرة سلبية، وبالتالي لا نستطيع الهروب منها أو تكون بمنأى عنها لأن ذلك يعني نقص فاعليات الفرد وقصور كفاءته، ومن ثم الإخفاق في الحياة. ( Kabasa. S.C.S, 1979 : 1-11) .
والضغوط التي يعاني منها الكبار تنتقل آثارها إلى الصغار من خلال المؤسسات الاجتماعية مثل الأسرة أو المدرسة أو النادي، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والإنسان يتفاعل ويؤثر في الآخرين ويتأثر بهم، كما أن الأسرة والمدرسة والمجتمع يؤثر كل منهم في الطفل ( مديحة العزبي، 1985: 20) .
مصادر الضغوط النفسية:
من مصادر الضغوط النفسية المدرسية اضطراب العلاقات بين التلاميذ فيما بينهم، والعنف والضرب والشدة والشراسة وسخرية باقي الفصل من المخطئ ولا تربوية المعلم ( رمزية الغريب، 1990 : 73-88).
ويوضح عبد الرحمن الطريري ( 1994) بأن أهم مصادر الضغوط النفسية تتمثل في المشكلات الذاتية للفرد وأهمها:
1. المشكلات النفسية ( الانفعالية): كالثورة والغضب والاكتئاب والفتور والإثارة وسرعة التهور.
2. المشكلات الاقتصادية: فالأفراد الذين يعانون من الضغوط النفسية هم الأفراد الذين يعيشون في مستوى اقتصادي واجتماعي منخفض، وأن هؤلاء يعيشون اضطرابات أسرية ويعانون من ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض النفسية الجسمية.
3. المشكلات الأسرية: حيث تنشأ الضغوط الاجتماعية والمشكلات الأسرية من أسباب متعددة داخل الأسرة مثل المرض، وغياب أحد الوالدين عن الأسرة والطلاق، وكلها مصادر للضغوط النفسية تتسبب في ظهور بعض الاضطرابات النفسية لدى الأبناء.
4. الضغوط الاجتماعية: المتمثلة في سوء العلاقة بالآخرين، وصعوبة تكوين صداقات ( عبد الرحمن الطريري، 1994 : 60). ويحدد جيرالد بيلز (1995 ) Gearald Beals عدة أسباب للضغوط تتمثل في الآتي:
أ – عملية تفسير الحدث الضاغط ... فتفسير الحدث الضاغط على أنه شيء ضخم يزيد من حدة المشكلة تعقيداً، كما أن تفسير الحدث الضاغط على أنه مهدد يزيد حدة القلق والشعور بعدم الأمان، كما أن تفسير الحدث الضاغط على أنه ناجم عما اقترفه الفرد من آثار يزيد من حدة الشعور بالذنب ومن ثم الشعور بالاكتئاب.
ب- عدم القدرة على إشباع الاحتياجات الأساسية ...فعدم إشباع الاحتياجات الأساسية سبب مؤثر سلبياُ في زيادة الشعور بالضغط.
ج- الأحداث اليومية... فالأحداث غير المتوقعة والتي يصعب التنبؤ بها والأحداث الخارجة عن نطاق التحكم هي أحداث تسهم في الشعور بالضغط.
د- نمط الشخصية... فهناك نمطان من الشخصية حسب تصور "جيرالد بيلز" في تفاعلهما بالضغط:
*النمط الأول: وهو يتميز بارتفاع الطموح والرغبة المستمرة في تحقيق النجاح، كما يتميز هذا النمط بالرغبة في تنفيذ أشياء عديدة في نفس الوقت، لهذا فهم يضعون أنفسهم في حالة مستمرة من الشعور بالضغط.
* النمط الثاني: وهو يتميز بالقناعة والشعور بالرضا بما يقوم به، لذلك فهو يتميز بالهدوء والاسترخاء مما يجعله أقل تأثيراً بالشعور بالضغط ( أحمد البحراوي، 2002 :24-25) .
العوامل المؤثرة في الضغط النفسي
ويحاول الباحث توضيح بعض العوامل المؤثرة المسببة للضغوط النفسية لدي الفرد :-
1- الضغوط الجسمية : تظهر للكائن الحي متأثرة ببنائه الجسمي والنفسي فما يكون عليه الجسم من طول أو قصر، أجهزة الجسم الداخلية وكفاءة النظام الغدى.
-2-البنية المعرفية ( الذكاء) : والقدرات الطائفية، العمليات العقلية العليا ووظيفتها والمزاج
وسمات الشخصية وبنية الجهاز النفسي.
-3الوعي الذاتي Self – Wareness : من المتغيرات النفسية المعرفية الهامة التي تؤثر في الضغوط النفسية، وهو تزيد من قدرة الفرد على تجنب المرض الذي تحدثه تأثيرات ضغوط الحياة.
-4المرح Funny : وهو عاملاً من العوامل التي تؤثر في الضغوط النفسية حيث يعمل المرح على تحقيق الإحساس بالضغط... حيث المرح يخفف من الإحساس بالإنهاك الناتج عن الضغط.
-5كما اعتبرت التغذية المرتدةFeed back : من العمليات التي تؤثر أيضاً في الضغوط النفسية حيث تعمل على تخفيف الإحساس بالضغط النفسي.
-6التدعيم الاجتماعي Social support : وهو عامل من العوامل التي تؤثر في الضغوط النفسية مثل الشعور بالعناية والحب والتقدير والقيمة والانتماء. ( هارون الرشيد، 1999: 50-57 ).
النظريات المفسرة للضغوط النفسية:
أولاً: النسق النظري لهانزسيلي Sely.H :
حيث يتألف النسق الفكري لديه من أن الضغوط متغير غير مستقل، وهو استجابة لعامل ضاغط يميز الشخص ويصفه على أساس استجابته للبيئة الضاغطة ... كما يربط بين تقدم الفعل أو الدفاع ضد الضغط وبين التعرض المستمر المتكرر للضاغط، حيث حدد ثلاث مراحل للدفاع ضد الضغط وهي:
(1) الفزغ: حيث يظهر الجسم تغيرات واستجابات تتميز بها درجة التعرض المبدئي للضاغط.
(2) المقاومة: وتحدث هذه المرحلة عندما يكون التعرض للضغط متلازماً مع التكيف حيث تظهر تغيرات واستجابات أخرى تدل على التكيف.
(3) الإجهاد: وهي مرحلة يكون فيها الجسد قد تكيف، غير أن الطاقة الضرورية تكون قد استنفذت.
ثانياً: النسق النظري لاسبيلبرجر Spielberger :
يفيد فهم نظرية سبيلبرجر في القلق ضرورة لفهم نظرية الضغوط، فلقد أقام نظريته في القلق على أساس التمييز بين نوعين من القلق هما قلق الحالة وقلق السمة..
وإذا كان سبيلبرجر قد اهتم بتحديد خصائص وطبيعة المواقف الضاغطة التي تؤدي إلى مستويات مختلفة لحالة القلق إلا أنه لا يساوي بين المفهومين (الضغط – القلق ) وذلك لأن الضغط النفسي وقلق الحالة يوضحان الفرق بين خصائص القلق كرد فعل إنفعالي.
ثالثاً: النسق الفكري لهنري موراي Murray :
حيث تبني النتائج على المقدمات فالإنسان كادح في بيئته من أجل إزالة التوتر فيكون الترتيب وسيلة إلى ذلك حيث يتضمن البرامج المتتابعة والمخططات التي تنقل الفرد من لحظته الآنية إلى تحقيق الهدف الذي يسعى إليه.
ويوضح موراي مفهوم الحاجة ومفهوم الضغط علي أنهما مفهومان مركزيان ومتكافئان في تفسير السلوك الإنساني ويعد الفصل بينهما تحريفاً خطراً. ( هارون توفيق الرشيدي، 1999 : 48-57 ).
ويشير جيرنيجان Jernigan (1995) إلى أنه عندما يفقد أحد الأفراد بصره تواجهه مشكلتان أساسيتان هما:
1- أنه يجب عليه أن يتعلم تلك المهارات والأساليب التي يتمكن بمقتضاه من القيام بدوره في المجتمع كمواطن عادي منتج.
2- أنه يجب أن يكون على وعي باتجاهات الآخرين ومفاهيمهم الخاطئة عن العمي، وأن يتعلم كيف يتمكن من مسايرتها. ( عادل عبد الله محمد، 2004 : 108-109 ) .
وتؤثر الإعاقة البصرية سلبياً على مفهومهم لذواتهم وعلى صحتهم النفسية، وتنتشر الاضطرابات النفسية كثيراً بينهم، ويعتبر القلق هو أكثر شيوعاً. ( إيهاب الببلاوي، 2001 : 114 ).
ويبدو ذلك واضحاً للطفل الكفيف نظراً لما تفرضه عليه الإعاقة وما يشعر به من عجز في المواقف التي تتطلب المساعدة وما يشعر به من إشفاق من الأفراد الآخرين. بالإضافة إلى ما يواجهه من مواقف أسرية تتسم بالإهمال والرفض الوالدي وهذا يتطلب الاهتمام بتلك الفئة.
وعلى ذلك ترتبط المشكلات السلوكية لدى الأطفال بالمواقف الأسرية وما يسودها من ضغوط حياتية وما قد يعانيه الأباء من بعض الاضطرابات النفسية والاجتماعية، ومن ثم فإن الأفراد الذين يقعون تحت طائلة الضغوط يصبحون أكثر عصبية وقلقاً وخوفاً وإنزعاجاً وإحباطاً. ( خالد الفخراني، 1994 : 657).
ومن ثم ينعكس التفاعل الأسري على شخصية الطفل وهذا ما يتطلب التطرق إلى الضغوط النفسية وعلاقتها بالمناخ الأسري، والعلاقات داخل الأسرة، لما لهذه الجوانب من علاقة بضغوط الطفل.
كما أن الطفل الذي يعيش ظروفاً أسرية مضطربة تفتقر إلى الأماني يتعرض لعوامل القلق والاضطراب النفسي، ويعجز عن التفاعل مع أفراد أسرته بإيجابية، وتتحول الأسرة من قوة تدفعه لمجابهة الحياة والانتصار عليها، إلى قوة تعوق تقدمه ومقاومته لصعوبات الحياة. (محمد بيومي خليل، 2000: 39 ).
وفيما يتعلق بالضغوط الواقعة على الكفيف من الوالدين، فتتمثل في عدم اهتمام الوالدين بإشباع حاجاته النفسية والمادية وإحساسه بالتقبل الوالدي منهم، ومن ثم فإن الرفض الوالدي للطفل الكفيف وعدم الاهتمام به وبظروفه ومشكلات إعاقته وإبعاده عن العلاقات الاجتماعية فإن ذلك يؤدي إلى العلاقة غير المطمئنة ومن ثم افتقاده الثقة في هذا الجانب مما يزيد من توتراته نحو العلاقة الرافضة له، وهذا يمثل أكثر الضغوط الواقعة عليه من الوالدين. ( وفاء على محروس، 2002: 41-42 ).
وفيما يتعلق بالضغوط الواقعة عليه من اخوته العاديين، فإن إهمالهم له واعتباره أنه سبب مشاكلهم، بل عالة عليهم، ومواقفهم الرافضة له، وعدم مشاركته معهم في المواقف، وإخفائه عن أصدقائهم وزملائهم وضعف الترابط بينهم، وعدم خروجه معهم، فإن ذلك يمثل مواقف ضاغطة عليه، ويكون لديه اعتقاد بعدم الارتباط الأسري والعاطفي والانتماء والترابط الأسري وأنه يواجه الحياة بدون مساعدة أسرية، ولهذا فإنه ربما يتكون لديه اتجاه بعدم جدوى وجوده ولهذا فإنه يعاني من الصراعات والمخاوف والقلق من طبيعة الحياة الأسرية التي لا يشعر فيها بالثقة والطمأنينة والحماية مما قد يسبب له بعض الاضطرابات النفسية الناتجة عن مواقف الأسرة التي قد تمثل ضغوطاً قوية عليه.
إن إدراك أهمية ردود فعل الأهل حيال أبنائهم ودورهم الكبير في إتاحة الفرص لنمو نفسي سليم أمر في غاية الأهمية نظراً لدرجة الاعتمادية الكبيرة التي يطورها المعوق بصرياً في مراحل الطفولة المبكرة على أسرته، مما حذا بالمهتمين بشئون المكفوفين التأكيد على ضرورة تقديم الخدمات الإرشادية للأسر، وتدريبهم على كيفية العمل مع طفلهم المعوق بصرياً، وفيما يلي أهم الأمور التي يجب أن يأخذها الوالدان بعين الاعتبار ليساعدا طفلهما على تحقيق درجة ملائمة من التوافق النفسي والاجتماعي:-
1- تجنب الحماية الزائدة للطفل المعوق بصرياً، وإتاحة الفرصة له لكي يجد الأشياء بطريقته الخاصة.
2- تدريب الطفل على القيام بالمهام المختلفة أسوة بأخوته المبصرين وتعزيز محاولاته للوفاء باحتياجاته الخاصة، خاصة فيما يتعلق بنشاطاته الحياتية الأساسية، ويدخل ضمن هذا الإطار التدريبي على الاستقلالية في تناول الطعام وارتداء الملابس والاهتمام بالمهارات الحياتية اليومية والسلامة العامة للطفل. ( يوسف القريوتي وآخرون 2001 : 168-169 ).
ثانياً: الإعاقة البصرية:
تعد حاسة البصر من أهم حواس الإنسان، وقناة رئيسية لإستقبال الإشارة من العالم الخارجي، والطفل الذي يتعرض لمشكلات بصرية تصبح فرصه المتاحة للإتصال بالبيئة والتعلم منها أقل بكثير من أقرانه المبصرين.
إن الحرمان من حاسة البصر يفقد الطفل معظم خبراته اليومية المتعلقة بالصورة واللون والشكل، ويحرمه من تكوين الصور الذهنية عن معظم الأشياء في البيئة.
م.ن