مؤتمرات العلماء المسلمين:
لستُ أعرف تعليلاً لعدم اللقاءات المستمرَّة بين علماء المسلمين في كافَّة أصقاعهم، وشتَّى ديارهم.
إنَّنا نشهد اجتماعاتٍ ولقاءاتٍ بين جميع المستويات، وبين جميع الطبقات، ولكنَّا لا نجد تنظيمًا للالتقاء بين علماء الإسلام، إلاَّ ما نَدَر، وهو إذا حصل على نطاق ضيِّق، والذي أتمنَّاه ويتمنَّاه كلُّ غيور أن يتعرَّف علماء المسلمين بعضُهم على بعض، وأن يلتقوا ويتشاوروا، ويبحثوا في المشكلات التي يجابهها العالَم الإسلامي، وطريقة حلِّها على ضَوْء الإسلام، واستنباط الأدلَّة من القرآن والسُّنة، والاستئناس بآراء العلماء الذين سبق لهم أن عالجوا تلك المشكلات.
إنَّه من المهمِّ أن تحصل اللقاءاتُ بين علماء المسلمين؛ لِمَا فيها من مصالحَ عظيمة، ومنافعَ كثيرة، تعود بالخير العظيم، والمنافع الجمَّة، إنَّ في تلك الاجتماعات من الفوائد التفاهمَ وتقديرَ كلٍّ لرأي الآخر، وتبيان كلٍّ ما لديه من دليل وتعليل، وفي ذلك سلامة من سوء الظنّ، وتوسيع الخلاف، ونسبة أقوال وآراء غير صحيحة، وعسى أن يتحقَّق هذا الأملُ على نطاق واسع.
ولست أدري سِرَّ هذا الصمت من العلماء - وأعني بهم علماء الدِّين والشَّرْع، ولماذا لا يُسمَع لهم صوتٌ جهوري، في الوقت الذي يَنعِق فيه الناعقون، ويهذي المهرِّجون؟!
وإن كنت لا أجهل أنَّ التخطيطَ الماكر من أعداء الإسلام قد شنَّ حربًا شعواء على العلماء، وكُمِّمتْ أفواههم في كثير من البلدان المنتسبة للإسلام، ومع أنَّ قوى كثيرة قد تألَّبت عليهم وحاصرتهم، فإنَّ الشعوب المسلِمة تطلع إلى سماع كلمتهم صريحةً مدويَّة، جاهرة بالحق، مُعلية أمر الله، مُبيِّنة حُكمَه، مدويًا صوتهم دون مَلَق، أو تصنُّع، أو جُبن.
إنَّ البلاد التي يعلو فيها الجهرُ بالحق، ويُنظر للعلماء فيها نَظْرة احترام، هي بلاد سائرةٌ على طريق قويم.
أمَّا البلاد التي يختفي فيها العلماء، ولا يُسمع لهم كلمة، ولا سيَّما في الأوقات العصيبة، فإن ذلك عنوانُ التردِّي والانحدار، ولنتذكَّر الحديث الشريف: ((مَن سُئِل عن عِلم فكتَمَه ألْجمه الله بلِجام من نار)).
فللعلماءِ دَورٌ خطير، وعليهم مسؤولية ضخْمة، وقد ترتَّب عليهم من الواجبات في البيان، والدفاع عن الحق، ونشْر الإسلام، ودَحْض الشُّبه، والجُرْأة في قولةِ العدل ما يعرفه العلماء، وبقَدر ما نالوا من الشَّرف والفضل ومكان الصدارة بالعلم، فإنَّ عليهم حقوقًا جليلة، والناس في كلِّ وقت ينظرون للعلماء، ويترقَّبون منهم مواقفَ جادَّة، وصراحةً في القول، وبيانًا للحقِّ بلا محاباة، ولا مداهنة، ولا خُنوع.
وعندما يتَّصف العلماءُ بهذه الصفات الكريمة، فإنَّ هذا دليلٌ بارز على أنَّ الأمَّة تسير في طريق صحيح، وأنَّ دعاة الشرِّ والجهل مدحورون، أمَّا عندما يتكاسل العلماء ويتقاعسون، ويرضَوْن بالعيش الهادئ، والبعد عن المشاكل، ويتخلَّوْن عن مسؤوليتهم القيادية، فإنَّ تلك الأمَّة توشِك أن تقع في مشاكلَ طويلة عريضة، وإنَّها محفوفة بالمخاطِر التي تكاد تبتلعها، ومواقفُ علماء السلف المجاهدين الصادعين بالحق أكثرُ من أن تُذكر هنا، وكان نتيجةُ خمول العلماء ومداهنتهم في بعض الأقطار الإقصاءَ والإهانة والتندُّر، أمَّا الصرحاء الناصحون، فهم محلُّ التقدير، والإعزاز والإصغاء.