خطوات... تقودك إلى المسامحة!
لا شيء أسهل من الشعور بالبغض والغضب بعد التعرض للاستغلال أو الاعتداء أو الإهمال أو وقوع سوء تفاهم بسيط... لكن ما هو ثمن هذه المشاعر السلبية؟ قد يحرر الغضب جميع الأحاسيس المكبوتة، لكن حين يتحوّل إلى مرارة حقيقية، يصبح عائقاً أمام التفتّح على الحياة. للتخلص من هذه الحالة المظلمة، لا بدّ من تعلّم المسامحة!
ما هي مفاتيح المسامحة؟ الوعي، التعبير الشفهي عن الذات، الاعتراف بالوقائع، ثم الاعتماد على الإيمان الديني، وأخيراً مسامحة الذات. تبثّ هذه الأمور أملاً حقيقياً بالنسبة إلى أي شخص يرغب في استكشاف تجربة المسامحة للعودة إلى المسار الصحيح في حياته.
في ما يلي خمس خطوات واضحة تصف المسار الذي يجب اتباعه للتوصّل إلى المسامحة.
1 - الوعي
لا تتحقّق المسامحة من تلقاء ذاتها. عليك أن تقرر عدم اختيار طريق الانتقام لمعالجة موقف مؤلم أو جراح عاطفية أو خيانة. من المهمّ اتخاذ هذا القرار قبل وقوع أي حادث مؤسف. حين تواجه ألماً معيناً ولا تكون اتخذت هذا القرار، ستفكّر تلقائياً بالانتقام وتنتقل إلى مرحلة التنفيذ.
من الضروري أيضاً أن تحاول وضع حدّ للإساءة التي تتعرض لها. المسامحة أمر صعب ولا تدوم طويلاً إذا استمرّ الآخر بإيذائك. من المفيد أن تناقش المسألة معه وتطلب منه التوقّف عن جرحك. يتطلب الأمر شجاعة كبيرة. يخفي الأشخاص غالباً جبنهم وراء مسامحة ظاهرية تُعطى من دون مقابل. لكن في الواقع، لا يستطيع معظم الناس المسامحة فعلياً في ظل تواصل الإساءة. بهذه الطريقة، يفضّل المرء كبت مشاعره الحقيقية.
تذكر، لا يعني التعبير عن الأذى الذي شعرت به الصراخ في وجه الآخر.
2 - التعبير عن الذات
حين تواجه الظلم أو الخيانة أو الإهانة، قد تميل في البداية إلى اختلاق الأعذار لتبرير أفعال الآخر، وقد تحاول نسيان ما حدث أو التقليل من حجم الخطأ الذي حصل في حقك. أحياناً، قد يشعر المعتدى عليه بالذنب (في حالات التحرّش الجنسي لدى الأطفال مثلاً، غالباً ما يشعر الأطفال بالذنب). لا بدّ من معالجة هذا الوضع والتواصل مع الجرح العميق الذي نشأ في داخلك. لكنّ الأمر ليس سهلاً. يتمتع الإنسان بآليات دفاعية طبيعية تعزز رغبته في القضاء على مشاعر المعاناة. كذلك يخاف من مواجهة الغضب الذي يعتريه، لذا يقوم بجميع أشكال المناورات لتجنّب التواصل مع عواطفه الداخلية الحقيقية، ويبحث عن الأعذار لإعفاء الآخر من مسؤوليته، وبالتالي مسامحته سريعاً من دون احترام ما يحدث في داخله. لكنّ الامتناع عن التعبير عن مختلف العواطف (ألم، حزن، غضب، كآبة) لا يؤدي إلى الشفاء. المسامحة تستلزم الشجاعة.
يعني الاعتراف بالألم الذي تشعر به تحديد الأمر الذي أثّر فيك. لا يعني ذلك أداء دور الضحية والبكاء على الأطلال. من الضروري معرفة ما فقدته تحديداً وأهميته بالنسبة إليك وإلى الآخرين في آن. في كل عملية مسامحة، يمرّ المرء في مرحلة حزن شديد بسبب التوقعات العالية التي انهارت أمام عينيه. حين تتمكن من رصد العوامل التي تأثرت في داخلك (الصدق، الوفاء، الكفاءة...)، تتراجع عدائيتك لأنك تدرك أنّ شخصيتك العامة لم تتأثر بل أجزاء منها فحسب.
3 - الاعتراف بالوقائع
لا بدّ من التعبير عن الألم للتمكّن من التحكم به والشفاء منه. يمكنك تدوين مشاعرك في دفتر مذكرات أو الإفصاح عما يخالجك إلى شخص تثق به للتحرر من ثقل الألم الداخلي. لكن حذار من التكلم للانتقام من الآخر والإساءة إليه. سبق وقررنا عدم الحاجة إلى الانتقام! يعني التعبير عن الذات التكلم عن المعاناة ووصف الوقائع التي واجهتها لا تفسير النوايا. عليك أن تجد شخصاً ناضجاً يصغي إلى تجربتك من دون أن ينصحك بالانتقام ممن أذاك أو ينشر الخبر الذي سمعه منك. انطلاقاً من هذه النزعة السلبية وسوء الفهم، تنشأ الوحدة المؤلمة. قد يؤدي كبت المعاناة وعدم القدرة على التعبير إلى الموت في بعض الحالات. يساهم التحدث إلى الآخر في رؤية الأمور بوضوح وتحديد أثر الحادثة فينا.
4 - الإيمان
لا يمكن المسامحة بصدق في حال غياب الشفاء الداخلي. يساهم التحدّث مع الغير في تسريع عملية الشفاء مع مرور الوقت. ثمة في داخل كل شخص قدرة داخلية طبيعية على إصلاح الضرر. يستمدّ الأشخاص المتدينون قوتهم من الإيمان. قد يساعدك أحد الأصدقاء أو المعالج النفسي في الوصول إلى هذه المرحلة الرابعة، لكنه قد لا يوصلك إلى الشفاء الكامل. حين يكون الجرح عميقاً أو قديماً جداً، تفقد {الأنا} الداخلية قدرتها على إصلاح الأضرار. تبرز الحاجة هنا إلى الإيمان الذي يساعدك في التماسك والقضاء على الألم، وبالتالي الشفاء داخلياً.
5 - الانفتاح
بعد مرحلة الشفاء الداخلي، تصبح منفتخاً على المسامحة. لا يعني ذلك مسامحة الآخرين بل الاقتناع الداخلي بهذا الخيار المريح الذي يولّد في داخلك شعوراً بالتفوّق والأهمية. بالنسبة إلى المؤمنين، ليست المسامحة ميزة أخلاقية، بل واجباً دينياً. لذا، قد يتّكل المؤمن على إرادته الصلبة وإيمانه في المراحل الأولى ليستمدّ القوة التي تلزمه.
يشكّل حب الذات بشكل عميق وغير مشروط محرّك المسامحة الحقيقي. كيف يمكن أن يحبّ شخص الآخرين إذا كان لا يحب نفسه؟ لا شيء أصعب من الحصول على شيء مجاناً لأننا نفكر دائماً بوجود ثمن لا بدّ من دفعه. حين تدخل عالم المسامحة، تتعرّف الى عالم الكرم وفيض المشاعر والحرية.
باختصار، المسامحة لا تعني:
- النسيان.
- اختلاق الأعذار.
- التخلي عن الحقوق الفردية.
- ليست وليدة الإرادة فحسب.
- ليست مرادفاً للمصالحة.
- لا تفرض نفسها.
- لا تغيّر الشخص الآخر.