لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع ، وتلبس مما لا تصنع " قالها صاحب كتاب " النبي " الذي أبدع في ربوع الغربة جبران خليل جبران ، ولسان حاله يقول : أمتي ، أمتي حذار من البقاء على ما أنت عليه ، من كسل وتواكل ، واعتماد على الغير .هي نبوءة بلا شك ، ورسالة واضحة سطرها جبران بأحرف الغربة ، ليدلل علي استمرار تمسكه بالانتماء لأمته ، وعدم انسحاقه أمام الآخر الذي منحه كل شىء والذوبان فيه ، شأنه شأن آخرين تجردوا من أمتهم ، فور حصولهم على فيزا من دولة غربية ، وليس على جنسية ، ولماذا الاستغراب وبين ظهرانينا من تجرد من أمته وتغرب عنها وهو ما يزال يتنفس هواءها ، وتطأ قدماه ترابها الذي أصبح مداسا من قبل سنابك خيل الغرب ، وتعني السنابك هذه الأيام كل انواع الوجود العسكري الذي لم يقتصر على التراب بل تعداه الى الماء والسماء ، بمعنى أن كافة فضاءاتنا باتت مستباحة ، ونحن لا حول لنا ولا قوة . أحسن مبدعنا جبران في توصيف حال الأمة الذي نعيشه هذه الأيام ، وهذه الحالة قادتنا الى التواكل وليس التوكل ، وأفضت الى الحرمان والحصار والتحكم ولم لا والله يقول في محكم كتابه " اليد العليا خير من اليد السفلى "!؟ خير وصف للحالة العربية أيضا هو الاعتماد على المنح والمعونات الأجنبية التى تذهب في معظمها الى جيوب وأرصدة الحكام ، ويكون ثمنها ارتهان القرار السياسي للمانح ، وتنفيذا لمطالبه ومتطلباته وما أصعبها ، ولعل ما يقال عن " القاتل الاقتصادي" أفضل دليل على ذلك ، اذ أنهم يزينون للحاكم القروض وهم يعلمون مسبقا عدم قدرته على السداد ، ويغضون الطرف عن فساده وافساده ، فتنقضي المدة ، ولا يتم تنفيذ المشروع المتفق عليه ، وبعد أن يعلن عجزه عن التسديد أمامهم ، يفرضون عليه أجندتهم ، فيوافق عليها ممنونا ، وهكذا دواليك حيث يبدأ مسلسل الخراب الذي يقود الى فشل الدولة . من لا يملك ، يصبح تحت رحمة من يملك ، والعرب لا يمتلكون صناعتهم ولا زراعتهم ، ولنا في تجربة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر – الذي أراد رد الاعتبار لمصر من خلال نهضة صناعية وزراعية لكن الخلف ردوها على أعقابها ونهبوا ثرواتها - خير دليل على ما نقول . ونقرأ في هذا الملف أيضا تجربة العربية السعودية الناجحة في زراعة القمح في ثمانينيات القرن المنصرم ، الا أننا مع الأسف لم نعد نر مروج القمح تتمايل سنابله مع النسمات ، وها هو الأدرن أيضا يهدر دم الزراعة فيه، ولم نعد نسمع أن غور الأدرن سلة غذائية ليس للبلد فقط بل للاقليم أيضا . عند الحديث عن سلة الغذاء العربي كما علمونا في المدارس ، لن نغفل السودان ذلك السهل الذي يرافقه نهران سمينان، ومع ذلك نجد أرض السودان تفتقر الحراثة ، وقد رفض مبارك المخلوع منحه سودانية مساحتها مليونا فدان لزراعتها قمحا لصالح الشعب المصري ، خوفا من غضب أمريكا !! شهداة تسجل بحق القوات المسلحة الأردنية التى نجحت في استغلال قطعة أرض ممنوحة لها من قبل الحكومة السودانية ، واطلعت بأم عيني قبل سنتين على ما آلت اليه تلك الأرض التى تحولت من صحراء قاحلة الى جنة خضراء تغني فيها البلابل ، فمن قمح كأنه كندي الى برتقال ونخيل وبرسيم وغير ذلك مما تنبت الأرض ان وجدت من يحرثها ويعتني بها . حتى النفط الذي أنعمه الله علينا ، لا نقوم بتصنيعه بل نبيعه خاما ببلاش ، ومن ثم نستورده معلبا بأسعار الذهب . ذات زيارة الى عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسيل دخلت محلا لبيع الشيكولا ، وناولتني صاحبة المحل قطعة من الشيكولا كي أتذوقها ، فاذا بها حبة تمر مغطسة بالشيكولا ، وعندها ضحكت وسألتها : أتفهم أنكم تشتهرون بصناعة الشيكولا لكن كيف وصل اليكم التمر؟ ضحكت هي الأخرى وقالت : نحن نشتري منكم التمر بأسعار رخيصة ،ونعيده اليكم مغطسا بالشيكولا ، ولكن بأسعار باهظة . ما الذي يمنع الزراعة والصناعة في الوطن العربي ،؟ ونحن نمتلك الكثير الكثير من المواد الخام للصناعة والأراضي الشاسعة الخصبة للزراعة والتي هجرناها وكثفنا فيها من زراعة البيوت الاسمنتية ، فها هو سهل حوران وقد نسي القمح الذي كانت تستورده روما لتصنيع أفضل أنواع المعكرونة ، و بات يحتفي قهرا بالبنايات الاسمنتية ؟! لماذا لا نقوم – وأعني بذلك أصحاب الرساميل المهولة - بخلق ائتلافات مع رؤوس الأموال الأجنبية من أجل صناعات مقيمة في الوطن العربي ؟ وفي هذا الخضم نتساءل ليس سذاجة : اسرائيل التى تبلغ من العمر 63 عاما ، تحولت من مجموعة عصابات ارهابية عام 1948 الى دولة صناعية زراعية تنافس أمريكا في تصدير الأسلحة ، وتصدر منتجاتها الزراعية الى كافة أسواق العالم، ، وتقوم بتطوير زراعات من ضمنها زراعة النخيل غير النخيل الذي نراه باسقا . انه القرار السياسي لا غير ، فهلا نفضنا الغبار عنا وبدأنا ولو متأخرين ؟
فهلا نفضنا الغبار عنا وبدأنا ولو متأخرين ؟ اي غبار واي خذلان واي انحطاط وصلنا اليه نتاج حكومات سلفت واسلفت ما بعدها من فساد ينخر ببواطن وطن اصبح لعبة بيد الفاسدين . ................................................................