السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..وبعد :
أحبتي في الله :
يراودني كثيراً بين الحين والآخر سؤالٌ لاأستطيع وصف مدى ثقله على النفوس ومدى صعوبته..سؤالٌ لطالما أثّر في نفسي كلّما استحضرته وذكرته ..
قبل أن أخبركم بالسؤال..أريد أن أقول لكم عن أمرٍ فعلته قبل سنوات وبالرغم من تلك السنوات إلا أنني لازلت أذكر هذا الأمر الذي فعلته ومدى تأثيره على نفسي..
عندما كنت في المرحلة الثانوية قبل خمس سنوات كنت في تلك اللحظة مُقصّر ولافخر والله ولكن هي الحقيقة التي اسأل الله أن يغفرها لي ويتجاوز عني فيها..الشاهد كان في الفصل صديق لي مستقيم وملتزم بأوامر الله أحسبه كذلك والله حسيبه..وبالرغم أنه الوحيد من بيننا إلا أنه متمسّك بما هو عليه بل إنه آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر..سبّاقٌ إلى الخير وإلى الدعوة إلى الله وملازمة الدروس والمشائخ..كم كنت أرتاح له وأحب مجالسته..في يوم من الأيام وعلى ما أظن في بداية فصل الشتاء كنت معه في سيارته وكان لم يبقى إلا القليل على وقت أذان الظهر..قال لي ما رأيك أن تأتي معي للمسجد الفلاني..فهناك جنازة ونريد الصلاة عليها..قلت جزاك الله خيراً وأنا معك فلنذهب إذاً..وبعد ما صلّينا الظهر وصلّينا على الجنازة تبعناها إلى المقبرة..وشهدنا الدفن وعزّينا أهل المتوفّى..وفي ذلك اليوم لم نخرج من المقبرة رغم أن الجميع خرج بما فيهم أهل المتوفّى..!
وبينما أنا وصاحبي على هذا الوضع فاجئني بسؤالٍ زلزلني..!
لم أتوقعه أبداً ولم أجهّز نفسي للإجابة على هذا السؤال..!
فبينما نحن ننظر لأحد القبور المُجّهزه قال لي :
كيف سيكون حالك لو وُضعت أنت هنا الآن..!
يالله..!!
سؤال زلزلني وحرّك ماكان ساكناً في داخلي..!
وبعد أن عجزت عن الإجابة..
لم أجد نفسي إلا أنني نزلت إلا هذا القبر المُجهّز وانطرحت فيه وجلست أتخيل أنني الآن في عداد الموتى..!
اضطجعت على جنبي الأيمن وأغمضت عيناي ومازلت أتخيل أنني الآن ميّت ولاأعلم ماذا سيُفعل بي وإلى أي مآل سيكون حالي..!
والله لو جسلت أصف لكم شعوري وقتها لن أوفي ذلك الشعور
شعور مهيب,,فضيع,,رهيب,,وقولوا ماشئتم في وصفه فلن توفي ذلك الشعور جميع الأوصاف..
كم حرّكت فيني أشياء وكم أيقضتني تلك اللحظة..كم أحسستُ بتقصيري واحتقرت نفسي وهذه الدنيا التي ألهتني وأعمتني عمّا سألاقيه في الغد..كم أنستني أن هناك قبر وهناك جنّة ونار..
يالله..!
لحظات عشتها مهما قلت في حقّها فلن أوفيها..
إخوتي يامن غرّتهم الدنيا وأنستهم الموت ومابعده..نصيحتي لكم إن كنتم تريدون قلوبكم تَرِقّ..فزوروا القبور وتخيلوا أنفسكم مكان أحد الأموات فماذا سيكون حالكم..!
والسؤال الذي أردّده على نفسي كلما رأيت من نفسي تقصيراً وتخاذلاً وأريد منكم أن توجّهوه إلى أنفسكم وتجيبوا عليه بصراحة :
لو قيل لنا أن الأسبوع القادم في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية .. هو يوم موتنا...!
فماذا سنفعل من الآن إلى ذلك الموعد المحدّد...!
من المؤكّد ستكون إجابة كلٌ منا واحدة وهي :
سنقلع عن جميع المعاصي من سماعٍ للأغاني ومن مشاهدة للمسلسلات ومشاهدة الحرام بشكل عام وسنقلع عن الدخان وعن الغيبة والنميمة والقول الزور والسب والشتم واللعن..
وسنلتزم بأوامر الله من صلاة في وقتها وحتى سنلزم النوافل لإستدراك مافات من تقصير وسنلزم قراءة القرآن وسوف نتصدق ونعتمر ونذكر الله قياماً وقعوداً وعلى كل هيئة إلى آخره من اجتناب المعاصي والتزام الأوامر..
إذاً أحبتي مادامت هذه الإجابة المؤكّدة فلماذا لانبدأ من الآن فهل يضمن كل واحد منا متى يموت..!!
ووالله إنني أشفق على كل شخص يخدع نفسه بقوله..نحن لازلنا صغار فدعنا نستمتع بحياتنا ونلهو ومن ثم نتوب إذا كبرنا ويارجل لاتشدد علينا فالله غفور رحيم..!!
عجبي لهؤولاء وتفكيرهم أيظنون أن الموت لمن كان كبيراً فقط..!
أو لمن كان مريضاً..!
فكم من صحيح ليس به علة ولكن الموت أخذه..!
وكم من صغير في السن قد حان أجله..!
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
وأُذكّر من اكتفى بقول أن الله غفور رحيم أنه نسى أمر عظيم..!
فالله سبحانه وتعالى يقول (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
فكما أنه غفور رحيم سبحانه فهو شديد العقاب لمن خالف أوامره وتركها ومن أتى نواهيه وفعلها..!
ويجب أن تعلم أن المغفرة بيد الله سبحانه وأنها لمن يشاء..!
فلاتجعل نفسك في ضمان وأمان وأنت لاتعلم..!
ومن ثم أليس من الأولى أن يكون الإستمتاع واللهو في أمر مباح..!
لماذا يقتصر اللهو واللعب والإستمتاع في كل ما نهى الله عنه..!
ولن احدد معصية معينة إنما في جميع المعاصي..!
استمتع وامرح واضحك والعب ولكن بشرطان :
أن لايكون في ماتستمتع به أي محظور ولايكون في حرام..
وأن لاتطيل الإستمتاع واللعب والضحك أكثر من اللازم لأن كثرة الضحك تميت القلب..
هذا ما أحببت أن أطرحه لكم وهي كلمات من القلب إلى القلب وآمل أن تجد هذه الكلمات الطريق إلى قلوبكم وأن يكون لها الاثر بإذن الله في التغيير إلى الافضل والأحسن..
ولو كان كل شخص منا يضع الموت أمامه لما وقع في الحرام ولما ترك الواجبات والأوامر..
قد قلتُ ماقلت..
إن صواياً فمن الله وحده..
وإن خطأ فمن نفسي والشيطان..
اسأل الله لي ولكم الهداية والثبات على الحق وحسن الختام..
اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.