إنّ بلسم الجراحات هو الإيمان بالقضاء والقدر، وعجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، قد علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وعلم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، علم أنّ الأُمّة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء، لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلى بشيء قد كتبه الله – عزّ وجل – عليه، رضي فرضى الله عنه، وسعد في حياته وأخراه، وإطمأن قلبه وسكنت روحه، فهو في نعيم وأي نعيم!!
فالإيمان بالقضاء والقدر نعمة على البشر وبلسم وظل وافر من الطمأنينة وفيض من الأمن والسكينة، ووقاية من الشرور، وحافظ على العمل، وباعث على الصبر والرضا، والصبر مُرٌّ مذاقه، لذيذة عاقبته.
صبرت ومَن يصبر يجد غبَّ صبره **** ألذَّ وأحلى من جني النحل في الفم
فاحرص على ما ينفعك، وارض بما قسم الله لك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنني فعلت كذا، ولكن قل: "قدر الله وما شاء فعل".
* قال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله –:
من الإبتلاء العظيم إقامة الرجل في غير مقامه. مثل أن يحوج الرجل الصالح إلى مداراة الظالم والتردد إليه، وإلى مخالطة من لا يصلح، وإلى أعمال لا تليق به، أو إلى أمور تقطع عليه مراده الذي يؤثره.
مثل أن يقال للعالم: تردد على الأمير وإلا خفنا عليك سطوته، فيتردد فيرى ما لا يصلح له ولا يمكنه أن ينكر.
أو يحتاج إلى شيء من الدنيا وقد مُنع حقه، فيحتاج أن يعرّض بذكر ذلك، أو يصرح لينال بعض حقه، ويحتاج إلى مداراة مَن تصعب مداراتَه، بل تتشتت همّته لتلك الضرورات.
وكذلك يفتقر إلى الدخول في أمور لا تليق به، مثل أن يحتاج إلى الكسب فيتردد إلى السوق أو يخدم مَن يعطيه أجرته.
وهذا لا يحتمله قلب المراقب لله سبحانه لأجل ما يخالطه من الأكدار.
أو يكون له عائلة وهو فقير فيتفكر في إنائهم، فيدخل في مداخل كلها عنده عظيم.
وقد يُبتلى بفقد مَن يحب، أو ببلاء في بدنه، وبعكس أغراضه وتسليط معاديه عليه فيرى الفاسق يقهره والظالم يذله.
وكل هذه الأشياء تكدر عليه العيش، وتكاد تزلزل القلب.
وليس في الإبتلاء بقوة الأشياء إلا التسليم فيرى الرجل المؤمن الحازم يثبت لهذه العظائم، ولا يتغير قلبه، ولا ينطق بالشكوى لسانه.