الوجه الآخر لهم (القراءة بوصفها متعة)
الكتابة فن، والقراءة فن آخر لا يقل متعة عن الكتاب. من لا يعرف كيف يقرأ لا يعرف كيف يكتب. هذا ما وصلت إليه من فكرة على امتداد سنوات القراءة والكتابة.
في كتاب “الوجه الآخر لهم.. حكايات ثقافية، قراءات وحوارات” الصادر حديثاً عن دار الكتاب للجميع بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية في إطار “بيروت عاصمة عالمية للكتاب” للأديبة والرسامة والصحافية زينب حمود، تتعدد متع القراءة وتتنوع، فهو كتب متعددة في كتاب واحد، وحوارات مع أعلام في الشعر والقصة والنقد من أمثال نزار قباني وعمر أبو ريشة وليلى عسيران وميشال سليمان ويوسف الخال ونقولا زيادة ومنصور الرحباني وعاصي الرحباني وآخرين ما جعل أشخاص الكتاب ثلاثة وعشرين أديباً وفناناً ومفكراً من الراحلين، حيث المتعة في الكلام على هؤلاء الأعلام ليست في إعادة إنتاج ما نعرفه عنهم، بل في البحث عما هو مجهول وغامض، لا لجلاء سيرتهم فحسب، بل للكشف عن تلك الكنوز الإبداعية التي خلفوها وراءهم. والكاتبة تمزج بين الجانبين الذاتي والإبداعي في سير أشخاصها، كما أنها تضيف الى الحوار، حواراً مع الحوار ومع آخرين ممن كانت لهم صلة قربى أو صداقة أو تعمق ودراسة بأدبائها المختارين.
لذا جاء الكتاب غنياً ومتشعباً، ويشد إليه القارئ بخيط المتعة والتشويق.
ومن طريف ما فعلته الكاتبة على سبيل المثال، أنها أثبتت حول الروائي اللبناني الراحل يوسف حبشي الأشقر مقاطع من ست مقابلات متنوعة أجراها صحافيون مختلفون معه، وقامت هي بمقابلتين حول الروائي مع كل من ابنته وزوجته.
ومن الطريف أيضاً ما حققته بشأن الكاتبة اللبنانية مي زيادة التي نشأت ولمعت في مصر، وملأت الشرق بأدبها وصالونها الأدبي وعشاقها من أدباء العربية وأعيانها من جبران والريحاني والرصافي حتى طه حسين والعقاد وأحمد شوقي... ولائحة المغرمين بالآنسة مي، كما كانت تسمى، كثيرة. إن الكاتبة بالطبع، لم تجر حواراً مع مي التي غادرت الحياة قبل أن تشب المؤلفة عن الطوق، ولكنها عمدت الى طرح أسئلة ذكية على الكاتب فاروق سعد صاحب كتاب “باقات من حدائق مي”. سألته: ما حكاية الجارة “الإنجليزية الشقراء” مع مي زيادة؟ ملمحة من خلال السؤال الى ما يشي بعلاقة مثلية... فأجاب: “خصّت مي جارتها الشقراء في شارع المغربي في حي الإسماعيلية بالقاهرة بقصيدة عنوانها Do te (ارتياب) بالفرنسية ثم قامت بتعريبها وتقول فيها:
“صديقتي يا ذات العينين الكبيرتين الوديعتين، روحي تناديك... أتذكرني يوماً هو الأول من العام إذْ أنارَ عينيك السر الفتّان وإذْ روحي عبدت فيكِ شقيقتها الكبرى وإذْ منكِ إليّ جاءت الكلمة الصامتة؟ وهذا المساء الممطر الحالِك مساء الوداع.. قاتمة هي أفكاري، والغمّ يطبق عليّ، ارتياب خبيث يخالط قلبي المستسلم للحنان.. ماذا لو كان قلبكِ مغروراً محتالاً؟ وهذا المساء الحالك المطر مساء وداع”.