لسنا أوصياء
الإعلام متورط في كل ما هو حولنا، ابتداءً من تغيير لون طلاء الأظافر، إلى تغيير نظم الحكم. وبين الحالتين أشكال وظواهر لا حصر لها، يبدو فيها “الإعلام” المتهم الأول.. وربما الوحيد.
تروق للكثر المقولة السابقة، ولهم في ذلك حجج لا تنتهي، فيما لا أرى لها إلا سببا واحدا، فهم بذلك يزيلون من على كواهلهم عبء تحمل المسؤولية، ويذهبون بنا لعكس ما خلقنا به كبشر، بأننا مخيرون ولسنا مسيرين.
بحكم عملي كمسؤولة عن كل ما ينشر في موقع إلكتروني إخباري، أتعامل طوال الوقت مع عدد لا حصر له من الأخبار؛ ومن وجهة نظري -مهنيا- أن العبء الوحيد الواقع عليَّ هو ضمان تدفق الأخبار لمتصفحي الموقع مع ضمان صدقية الخبر المنقول، وليس لي الحق في منعه أو التخفيف من حدته؛ وحول هذا الدور يصعد الخلاف من وقت لآخر مع من حولي؛ ففيما يرى البعض أن عليَّ أن أنتقي ما يُعرض للناس، أرى في المقابل أن من حقوق البشر الأساسية أن تتوافر لهم كل المعلومات “الموجودة بطبيعة الحال في الأخبار”، وهذا هو دوري كإعلامية، فيما يبقى دور الانتقاء بين ما يجب أن يؤخذ وما يجب أن يترك، عائدة لعقل كل متلق، الذي عليه وحده عبء التعامل مع ما ورد إليه من معلومة.
اعتقد أن التزام البعض بالعيش في دور الوصي والرقيب على ما يُعرض ومالا يعرض على الجمهور، فيه استخفاف علني بعقلية المتلقي، وانتقاص من حقه في الاستمتاع بما منحه الله له من قدرة على الانتقاء من بين الخيارات؛ كما أنه في المقابل فيه نوع من الغرور الفج في اعتقاد صاحب الوصاية بأنه وحده من يمتلك العقل في تصنيف الأمور، وبالتالي الحق في اختيار ما على الآخرين أن يعرفوه، أو لا. كما أن هذا الحجب يتبعه منع حقوق أخرى للبشر، في التفكير والابداع والوعي والحذر،، أو حتى الاقتناع.
حسنا.. فلنفرق هنا بين أن ننشر خبرا، وبين أن نروج له؛ ويعلم أهل الإعلام جيدا، ماذا يعني أن نروج لخبر ما، بتكبير مساحته واستفراده في الواجهة سواء أكانت المكتوبة أو المرئية، وغير ذلك من أشكال. لأن هذا التفريق يبدو كشعرة بين أن تتبنى خبرا وبين أن تنقله، وهنا الفرق بين الدعاية والإعلام.
من الجيد تعريف “الإعلام” لفهم حقيقته لعدم تضخيم الدور الذي يلعبه أو يجب أن يلعبه في حياتنا؛ يعرف الإعلام بأنه: عملية نقل الخبر وما يحيط به “كما هو” من طرف إلى طرف آخر، مستخدما أدوات مختلفة لتحقيق هذا النقل. ومن الجيد أيضا أن نعترف بعدد من الحقائق، ومنها.. أن كل ما هو ممنوع مرغوب، وأن الأصل في الأشياء الإباحة، وأننا نعيش في وقت لا معنى فيه لأي منع.. وأننا كإعلاميين قبل كل شيء.. لسنا أوصياء على أحد.