الإعلام الخاص والسلطة
هل يستغرب أحد خبر ابعاد المذيعة دينا عبدالرحمن من قناة دريم، واقصائها عن البرنامج الذي قدمته بكفاءة لسنوات؟. أعتقد ان الغرابة تكمن في بقائها طوال هذه المدة بالرغم مما تتميز به من مهنية وقبول ووطنية، وهي صفات لا تدفع بصاحبها الى المقدمة في حالة الاعلام المصري الساقط من الدور العاشر!.
نعم الاعلام المصري هو اعلام ساقط بشقيه الحكومي والخاص، بل ان الاعلام الخاص يتميز بانحراف ماكر وضار أكثر من مثيله الحكومي، حيث جرت اللعبة ان تضم القنوات والصحف التابعة لأصحاب العزبة أكثر الوجوه الجالبة للخزي والعار، في حين تضم القنوات والصحف الخاصة المملوكة في أغلبها لأغوات أصحاب العزبة فصيلا خاصا من الاعلاميين يضعون الكثير من الكريمات والأصباغ على الوجه البشع حتى يخيل للقارئ والمشاهد الغلبان ان هؤلاء الذين ينتقدون المتعوس نظيف أو الموكوس سليمان هم من فرسان الاعلام الأشداء وأشاوس الرأي والحقيقة.
عندما شاهدت على اليوتيوب الحديث الذي دار بين دينا عبدالرحمن وأحد اللواءات المتقاعدين الذي تم تقديمه بحسبانه خبيرا استراتيجيا فانني لم أفهم كيف يمكن ان يترتب على هذه المحادثة معاقبة المذيعة المحايدة النابهة.ان الذي كان يستحق العقاب هو حضرة اللواء الذي لم يفتح الله عليه بجملة مفيدة وقام بتوزيع الاتهامات على خلق الله بدون تبين أو دليل.اتهامات وصلت لدرجة ان وصف الأستاذة نجلاء بدير بالمخربة وقال عنها بالنص: الصحافية اللي اسمها نجلاء دي!.لقد أسفت حقيقة ان رجلاً يقدمونه كخبير استراتيجي لم يسمع بنجلاء بدير وهي الكاتبة التي ملأت الدنيا نورا طوال ربع القرن الماضي، لكن البعض نبهني ان الخبراء الاستراتيجيين الكبار في بلادنا يقرأون لكتاب استراتيجيين أيضاً مثل نبيل بباوي وممتاز القط ولا يعرفون أمثال نجلاء بدير!.
لم تفعل دينا عبدالرحمن سوى ان سألته ان يقدم للمشاهدين قائمة بالكتاب المحترمين من وجهة نظره الذين يتعين ان نقرأ لهم حتى لا تنحرف أفكارنا، وذلك بعد ان حذر سيادته من المخربين.لم تفعل دينا غير ان نبهته لأهمية كاتبة بقدر نجلاء بدير بعد ان لمست جهله بقيمتها واستعداده لاطلاق الشتائم والاتهامات بحق من يجهل.
كيف يمكن ان يترتب على حديث مثل هذا معاقبة الطرف الموضوعي المحايد الذي تحدث بكلام له معنى؟. هذا لا يمكن ان يحدث الا عندما يكون رجل الأعمال صاحب القناة في حالة رعب شديدة من السلطة.. أي سلطة، سواء سلطة مبارك وعصابته أو سلطة المجلس العسكري. ان هذا الخوف الذي أثار دهشة الناس لا تفسير له غير ان ملفات رجال الأعمال جميعاً جاهزة وقابلة للفتح في أي لحظة، وان رجال الأعمال يعيشون في رعب من الحقيقة التي لم يعد في الامكان تجاهلها وهي ان السلطة الحاكمة قد تغاضت عمداً وهي تقدم رجال مبارك للمحاكمة عن رجال الأعمال الذين يمتلكون صحفاً وقنوات فضائية، حتى أننا لم نر حتى الآن أياً منهم يجلس على البُرش في اللومان، في حين ان نفس السلطة لم تر بأساً في تقديم غيرهم ممن يملكون ملفات مماثلة الى المحاكمة.ويعزو البعض هذا الى ان السلطة تخشى بأسهم وتخاف ان يستخدموا اعلامييهم المرتزقة في تأليب الرأي العام عليها واثارة اللغط حول مواقفها.وهذا قد يكون صحيحاً، لكن الأصح منه ان السلطة تتركهم لأنهم يمثلون الصوت الحقيقي للحاكم، المدافع دوماً عن خطاياه وأخطائه، حتى لو تظاهروا بالمعارضة الشكلية!. ولا شك ان أحمد بهجت يعرف شروط اللعبة ويعرف ان دينا عبدالرحمن لن تنفعه عندما تتحرك البنوك لاقتضاء أموالها، وتتحرك النيابة لتسأل عن كل شيء، وتتحرك الأرض لتميد من تحته!.