عند خروجه في الصباح إلى عمله نظر إلى زوجته التي ما زالت نائمة في فراشها وتمتم قائلاً :-
نسوان آخر زمن !
لكنه حرص على أن لا تتعدى الكلمات أبعد من شفتيه !
وفي طريقه وقف عند أول مقهى يصادفه وطلب من البائعة فنجان قهوة كعادته وأخذه معه في سفره ومضى يقود سيارته ويرشف من فنجان الكرتون رشفة وينفث دخان سيجارته عبر نافذة السيارة وهو يستمع إلى نشرة الأخبار من مذياع السيارة التي ورد فيها أنه تم تعيين سيدة الأعمال المشهورة مديرة للمصرف القومي فهز رأسه وقال :- نسوان آخر زمن !
وفجأة تجاوزته سيارة مسرعة تقودها سيدة فامتلأ غيظاً وأردف قائلاً :-
وهذه نسوان آخر زمن !
نظر إلى عداد الوقود فتبين أنه يحتاج إلى الوقود فعطف على محطة فتقدمت شابة في مقتبل العمر فطلب منها أن تملأ خزان الوقود ومد بطاقة الدفع إليها وما أن انتهت من ذلك وأراد المضي في طريقه خارجاً من محطة الوقود حتى نظر إلى الفتاة وقال :- نسوان آخر زمن !
وما كاد يبتعد قليلاً حتى استوقفته شرطية وحررت له مخالفة لعدم ربطه حزام الأمان , وكان يحسن الرجاء والتعليل والمحاورة مع شرطة المرور لكي يعدلهم عن تحرير مخالفة , لكنه في هذه المرة بالذات تعمد بكبرياء واضحة أن لا يناقش ولا يجادل , تناول الأوراق , وضع حزام الأمان نظر إلى الشرطية وابتعد وهو يقول :- نسوان آخر زمن !
وعند وصوله إلى مكتبه وجد بعض المراجعين يجلسون في غرفة الانتظار بينهم سيدة لفت نظره إلى محاورة شديدة اللهجة تجريها على الهاتف النقال بعصبية وانفعال وعلى مسمع من الجميع فدخل غرفة مكتبه وهو يقول يا فتّاح يا عليم , والله نسوان آخر زمن !
وما أن نظر إلى مكتبه حتى نادى سكرتيرته بنبرة قاسية فأتت مسرعة والذهول يقطر من أذنيها وقال بأسلوبه الزاجر :- أين الملفات؟ لماذا لم تفتحي الشباك ؟ وأين قهوتي الصباحية ؟
وعلى ما يبدو أنه لم يتم تنظيف المكتب !!
أجابت السكرتيرة بصوت يكاد لا يسمع :- آسفة يا سيدي ! سأحضر القهوة حالاً والملفات وسأستدعي عاملة النظافة وافحص معها الأمر وأسرعت إلى حقيبته فأخذتها منه ووضعتها في مكانها وأسرعت إلى النافذة وفتحتها وهي تقول كل ما في الأمر أنك حضرت مبكراً على غير عادتك هذا الصباح !
خرجت تهرول وهو ينظر إليها ويهز رأسه ويقول :- نسوان آخر زمن !
جاءت عاملة النظافة وهي تتعثر في مشيتها وتعتذر وتقول حصل خير يا سيدي , خمس دقائق ويكون كل شيء تمام فقد تأخرت قليلاً لأن ابني مريض ! قال لها :- سلامتو , يلا , يلا على السريع ! خرج إلى شرفة المكتب ينتظر انتهاء العاملة من تنظيفه وأطلق لازمته المعتادة :- نسوان آخر زمن !
استغل هذا الوقت في إجراء مكالمة مع زوجته :- صباح الخير يا سهام !
ردت عليه زوجته قائلة وهي تتثاءب :- صبالخير , خير ؟ شو صار ؟
قال ولا شي بس حبيت أصبّح عليكي , وأشوف صحيتي والا لع !
هذا كل اللي مشغلك , آه صحيت ! إن شاء الله ارتحت ؟
قال لأ يا حبيبتي بس حبيت اتطمن عليكي !
قالت :- اتطمن وريح بالك , بس اسمع , أنا طالعة اليوم , عندي شوية مشاوير وبدي اقضي كم شغلة , وبعدها معزومة على الغدا عند صاحبتي منيرة , دبر حالك اليوم بالغدا , يا بتجيب معك وبتوكل بالبيت , يا بتوكل بالمطعم .
مش مهم بدبر حالي , مثل امبارح بوكل في الطريق , أجابها وهو ينظر إلى عاملة النظافة التي أبلغته أنها انتهت من تجهيز المكتب ويهز رأسه لها أن تذهب في حالها .
قالت له زوجته سهام :- تنساش تجيب معك أكل لجاكي وبيبو وتحط لهم يوكلو لما تروح .
قال لها حاضر , ماشي , خلص , لا تقلقي .
وتابعت تقول له وكمان بتعبي الغسالة وبتشغلها علشان أرجع ألاقيها مخلصة غسيل .
طيب طيب , وشو كمان ؟
- وما تنسى تفتح الشبابيك منشان الدار تتهوّا
- حاضر , طيب !!
- وبعينك الله تبقى تفرغ الجلاية وتعبيها وتشغلها حتى أرجع ألاقيها مخلصة جلي .
- طيب , طيب , طيب
- واعمل حسابك تسحب مصاري , علشان عندي بكرة عزومة لصاحباتي وبدي أشتري شوية أغراض وأواعي ....
دخلت السكرتيرة تحمل الملفات والقهوة وهي تقول :- هل أدخل المراجع الأول ؟
وضع يده على الهاتف وصرخ بها قائلاً :- ألا ترين أنني أتكلم بالهاتف ؟ والله عجيب ! نسوان آخر زمن !
واستطرد حديثه مع زوجته حيث قال :- حاضر حاضر ووجد أنها قد أنهت المكالمة فهز رأسه وهو يتمتم :- نسوان آخر زمن !
ولم يعلم أن زوجته عندما أنهت المكالمة كانت قد قالت له :- إوعى تنسى شي من اللي قلتلك اياه
وتمتمت قائلة وهي تغلق الهاتف : والله رجال آخر زمن !
*
فمـــــــــا رايــــــــكم أحبــــــــتي؟؟؟
*
لا تحرموني من ردودكـــــم