فيروس «الصحة»
هرع أب بصغيرته التي لم تتجاوز ثمانية عشر شهراً، والقلق والفزع يعتريانه وزوجته إلى طوارئ مستشفى المفرق، وإذا بالطبيب وقبل أن يفحص الطفلة أو يطلع على التقارير التي يحملها والدها، ومن مجرد نظرة إليها يقول إنها تحتاج إبقاءها في المستشفى تحت الملاحظة لمدة يومين لتحديد وضعها، وإنه - أي الطبيب - لا يستبعد إصابتها بنوع من أنواع الالتهاب الكبدي. لم يطمئن الوالدان لهذا التشخيص المتسرع القائم على الرؤية عن بعد من طبيب لم يكلف نفسه عناء الاقتراب من مريضته، فآثرا أخذ طفلتهما والذهاب بها إلى طبيبها في العيادة الخاصة التي يراجعانها منذ أن رزقا بها، فاستبعد كلية ما ذهب إليه طبيب الطوارئ، وقال إنه مجرد” فيروس” منتشر يصيب الأطفال، ووصف علاجاً، عادت معه الصغيرة إلى اللهو واللعب في منزلها.
وفي عيادة الغدد الصماء بأبوظبي، تحدد للمراجعين مواعيد بعد عيد الفطر المقبل، لأن الاستشاري الوحيد فيها في إجازته السنوية.
أحد المواطنين الذي كان قلقاً على حالة زوجته ومعرفة نتائج الفحوص التي أجرتها لم يستطع الانتظار، فاستقل معها أول رحلة مغادرة إلى سنغافورة وعادا بعد يومين وقد اطمأنا للنتائج ووصفة دواء لم تتجاوز قيمتها خمسين دولاراً سنغافورياً، ولكن ليس كل المرضى بقدرة هذا الرجل.
وقبل أيام تم نقل ضحية حادث مروري مصاب بنزيف حاد في المخ من مستشفى صقر برأس الخيمة إلى الفجيرة، لأن الطبيب المختص في المستشفى الأول في إجازته السنوية. وأمس الأول انشغلت وزارة الصحة بنفي وجود نقص في اللقاح السداسي في منطقة عجمان الطبية أو غيرها من المناطق الطبية، بعد أن قامت الشركة الموردة بتوريد الكميات المطلوبة من هذا اللقاح المدرج ضمن التطعيمات الخاصة بالمواليد في الشهر الثاني من الولادة.
هذه مجرد صور وعينات لما يجري في قطاع الصحة التابع للدولة، والذي ترصد له ميزانيات ضخمة، ومع ذلك يعاني “فيروس” جفوة المراجعين له، الذين يتوقعون مستوى أرقى مما يقدم لهم، وأبسط ما يتوقعون الاهتمام بحالتهم، بعيداً عن “الرتوش” التي لا تقدم أو تؤخر في مستوى الخدمة المقدمة في منشآت لا تنفك ليل نهار تذكرنا أنها تحت إدارة هذه المؤسسة العالمية أو تلك، ومع هذا لا يستطيع المريض أن يعبر فيها عن حالته بدقة إن لم يملك ناصية اللغة الإنجليزية. وفي أي مرفق من هذه المرافق ما أن تجلس في قاعة الانتظار، حتى يبادر من يجلس إلى جوارك متطوعاً بعرض معاناة الانتظار، وكذلك تحديد مواعيد المقابلات لفترات طوال، وتضارب التشخيص، ونوعية الناس الذين وُضعوا في مكاتب “خدمة العملاء”. تخرج من تلك المشاهدات بتساؤلات عدة حول ما يجري في المنشآت العامة للصحة، وتخرج أيضاً بتساؤل عن مكمن العلة، هل هي في آلاف المواطنين والمقيمين غير القادرين على استيعاب النقلة الهائلة في مستوى الرعاية والخدمات التي تتحدث عنها دوائر الصحة، أم في الفيروس الذي يضرب مفاصل هذه الدوائر؟. وبانتظار التشخيص نسأل الله صحة دائمة لكم تغنيكم عن زيارة أي من عيادات الصحة!!.