السترة للإنعاش
بعد حادثة فوكوشيما اليابانية، وهذا الأرخبيل يعاني من نقص حاد في الطاقة، ولكن هذه المعاناة سخرت العقل الديناميكي بأن يعمل ويجتهد ويبدع البدائل لحفظ ماء الوجه واتقاء الحرارة. بعض الشركات قلل من ساعات الدوام، وبعضها خفف من إضاءة الأنوار، وبعضها عمل على الإقلال من استعمال الأجهزة التي تستهلك طاقة أكثر، وشركات أخرى أبدعت ما يفيد، حينما أعدت سترة مكيفة واقية من الحرارة، منعشة لمستعمليها. كمبيوتر ياباني لا يتوقف ولا يتعب من مواجهة الطارئ من الأحداث، وأتصور أن لو دولة من دول العالم عانت ما عانته اليابان جراء الكوارث الزلزالية لرأينا حال هذه الدولة ليس أحسن من أحوال دولة في غابات أفريقيا، أبناؤها يسيرون حفاة عراة، والذباب يشاغب عيونهم، والقذا يعبث بأجفانهم، ومع ذلك فهم يحملون الكلاشنكوف ويحاربون الفراغ سعياً لنصرة زعيم تربع على الكرسي، ولا يريد أن يتزحزح. اليابان بلد مختلف، وشعب مؤتلف مع نفسه والآخر، والبيئة التي حوله، ولذلك، فهذا الشعب يجابه الحدث الكوني بصناعة عقلية، مبدعة تمنعه من مد اليد للغير وطلب الإغاثة حتى ولو نزلت قطرة مطر في أحد الشوارع، وحتى لو نزع البحر سلاحه الأبيض وهدر.. هدر فقط، فإن القيامة تقوم لبعض الدول والشعوب، لكن الذي نهض من تحت ركام قنابل تدميرية في هيروشيما وناجازاكي، وأفلت دوماً من زلازل رجت الأرض رجاً، وبست الجبال بساً، وأعربت وأفزعت، لكن اليابان تظل هي اليابان، بعيون أضيق من ثقب إبرة، لكنهم بالإبرة ذاتها يحيكون حرير حياتهم بإتقان واتزان وعرفان، وهكذا شعب يستحق الحياة، لأنه يحبها ويقبل عليها بتفاؤل واشتياق المحبين، ويعانق أحداثها بقلب صابر مثابر، وأحياناً مغامر، لأن الحياة تستحق المغامرة وهي تلف مشاعر المحبين بثوبها الشفيف الفضفاض، الفائض بمعطياته، الرابض في السمات والصفات الربانية عالية الجودة رفيعة المعنى بتجليه دائماً بالدهشة اللذيذة. اليابان تصنع سترتها بنفسها، وتغطي عرق الإرهاق الحراري بسترة الإنعاش والانتعاش، لأنها بلد دائماً منتعش بالجديد من الصناعات المذهلة، بلد يسرج خيوله دائماً في وجه العاصفة ولا ينحني لأنه شعب يتأمل في اليوجا معالم الذات، وملامح الكون يمضي في عميق التجليات، فتجلى ويتعلى ويتولى أمر نفسه بنفسه، لأجل استقلالية حقيقية في صناعة المستقبل، وصياغة الحاضر على أسس تكون الغد بمنمنمات تزهي وتزخر بجمال النفس وجمال الكون، وحسن تصرف الإنسان عندما يواجه ما يعيق، وعندما يكابد ما يحيق ويقول أنا الإنسان كرمني الله على سائر مخلوقاته ولا بد أن أحفظ صفة الله في نفسي.