الحنين والغياب والسنين
يكون دائماً للجميل لأن به طاقة نفسية تواجه صعوبة الأيام
الحنين حالة نفسية بها شجن عميق تسيطر على ساحة الشعور لدى الانسان عندما يسترجع ذكرى أو موقفاً أو حياة كاملة عاشها، يتضاءل حينها في قرارة نفسه، وقد يخيم عليه نوع من السكون الذي يراه أبديا على الرغم من قصر زمنه، فأثر الاحساس بالماضي كبير وحجم الحنين أكبر، لذلك فالحنين رابط وجداني بين واقع نعيشه وماض ضاع مع عمرنا الذي تساقط من حساب السنين، راح بكل ما فيه من حلاوة ومرارة، على الرغم من ان الحنين يكون دائما للجميل لأن به راحة لنا وطاقة نفسية لنواجه به صعوبة الأيام التي نحياها في وقتنا الحاضر.
انني أشفق على الانسان في يومنا هذا فسرعة الحياة وتزاحم الأفكار وكثرتها وتنوعها، جعلته يعجز عن التعامل مع ذاكرته التي امتلأت بكل تفاصيل عمره، بل تعبت وأرهقها وأضناها وبالتالي أضعفها الكم الكبير الذي تحتويه، فسبحان من خلقنا وأوجدها معجزة من معجزات التكوين! فكيف نختزن ذكريات السنين الماضية وأين موقعها؟ وكيف نسترجعها؟
أما الغياب أياً كان نوعه قسريا أم اختياريا فهو جروح لا يدركها الا من تألم منها وشعر بالفراغ الوجداني بسببها، ويكون أقسى عندما يرتبط بالغياب الأبدي الذي لا لقاء بعده فالفناء والعدم حالا دون اللقاء، تمزقت بسببه أوصال الرجاء، لذلك كله يكون شعورنا بالزمن والسنين أكثر من ذي قبل، كما ان احساسنا في الوجود يصبح متماهيا مع الحياة بشكل كبير، فالألم النفسي بتأثير الحزن والغياب يشعرنا بقيمة حياتنا وندرك كم هي عزيزة، على أننا نؤكد ان الحياة هي الانسان أرضه وعلاقاته ومشاعره وتفكيره وعواطفه وكل سلوك يصدر منه، وعليه يجب ان نعرف كيف نعيش ونتحمل مشاعر الحنين والغياب وضياع السنين، فلله در أبي صخر الهذلي عندما تكلم عن الزمن بقوله:
عجبت لسعي الدهر بيني وبينها
ولما انقضى ما بيننا سكن الدهر.