في سوق عكاظ كان النابغة الذبياني يجلس تحت قبة حمراء ويستمع إلى قصائد الشعراء ويحكم بينهم ويحدد مراتبهم، وفي إحدى السنوات أنشدت الخنساء قصيدتها الرائعة في رثاء أخيها صخر التي تقول في مطلعها: قذى بعينيك أم بالعين عوّارأم أقفرت إذ خلت من أهلها الداركأن عيني لذكراه إذا خطرت فيض يسيل على الخدين مدرار أعجبته القصيدة وقال لها: لولا أن الأعشى انشد قبلك، لفضلتك على شعراء هذه السنة، فغضب حسان بن ثابت وقال: أنا اشعر منك ومنها. فطلب النابغة من الخنساء أن تجادله. فسألته: أي بيت هو الأفضل في قصيدتك فقال:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى = وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
قالت له: إن في هذا البيت سبعة من مواطن الضعف.
قال: كيف؟
فقالت الخنساء:
قلت الجفنات دون العشر، ولو قلت الجفان لكان اكثر،
وقلت “الغر” والغرة بياض في الجبهة، ولو قلت “البيض” لكان البياض اكثر اتساعا،
وقلت “يلمعن”، واللمعان انعكاس شيء من شيء،، ولو قلت “يشرقن” لكان أفضل،
وقلت “بالضحى” ولو قلت “الدجى” لكان المعنى أوضح وأفصح،
وقلت “أسيافا” وهي دون العشرة، ولو قلت “سيوف” لكان اكثر،
وقلت “يقطرن” ولو كانت “يسلن” لكان أفضل،
فلم يجد حسان كلمة يرد بها.