هم صنعوه.. هم أرادوه.. هم قتلوه
ظهر لغزا وعاش لغزا ومات أيضا لغزا.. إنها حكاية أسامة بن لادن الذي أرسلت أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عشرين حاملة طائرات وآلاف القطع الحربية وجيش من خيرة الجنود والمرتزقة والانتحاريين لأجل القبض عليه أو القضاء عليه، وهي التي احتلت العراق بسرعة لمح البرق وألقت القبض على صدام حسين بسرعة صوت الرعد ونحرته أمام الملأ في عيد نحر مليار مسلم..
*
إختلفت التعاليق البريئة وغير البريئة حول خبر مقتل زعيم القاعدة الذي بثته فضائية أوباما بعد أن كانت رسائل أسامة تتناقلها الجزيرة، ولكنها أجمعت على أن الحكاية ملفوفة بالألغاز، بعض اعتبرها حملة انتخابية أمريكية تم فيها اختيار زمن الإعلان عن مقتل الرجل اللغز بدقة، وبعض رأى أن الرجل اللغز انتهت مدة صلاحيته في الزمن الويكيليكسي والثورات الشعبية الغريبة، وكثيرون رأوا أن الغرب اقتنع بأنه وصل إلى هدفه وهو تشويه صورة الإسلام الذي ربطوه بالإرهاب رغم أن التاريخ يشهد أن النازية والفاشية والصهيونية صنيعهم وكنا دائما ومازلنا ضحاياهم.
*
لقد قيل عن تنظيم القاعدة أنه استمد مساره من السلف الصالح وارتضى العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وأعلنها جهادا ضد الطغاة، ولكننا تابعنا حروبه في السعودية وفي الجزائر وفي المغرب وتابعنا تحليقه نحو نيويورك ودكّه لبرجي التجارة وقتله للإسبان وللصينيين ولم نسمع عن إسرائيلي واحد سقط بنيران أسامة بن لادن، الرجل الذي رحل أو رحّلوه وقميصه مضرّج بدماء كل الشعوب وكل الديانات، إلا الدم الصهيوني، وقيل عن تنظيم القاعدة أنه عدو الأمريكان، ولكننا تابعنا كيف ساعدهم في تحطيم شوكة المعسكر الشرقي فانهار الإتحاد السوفياتي من أفغانستان التي شُدّت إليها رحال المسلمين لتحريرها ولم تُشدّ إلى فلسطين، وكيف منحهم فيزا دخول أراضي الإسلام في بلاد جمال الدين الأفغاني، وفي بلاد أبي جعفر المنصور، ومنحهم حق البقاء دون أن يطالبهم بالخروج أيّ من المسلمين الذين اهتموا بتحريم مشاهدة البوكيمون، ولم يهتموا بتحريم مشاهدة الجنود الأمريكان على أراضيهم، واهتموا بتحريم خلوة الأب مع ابنته، ولم يهتموا بما فعله الأمريكان في أبي غريب، واهتموا بتحريم سياقة المرأة للسيارة، ولم يهتموا بقيادة الأمريكيات لطائرات الشبح والفونتوم التي ضربت من كابول إلى بغداد.. واهتموا الآن بتحريم دفن أسامة بن لادن في أرض الإسلام ولم يهتموا بحياة فراعنة العصر الحديث على أراضيهم.
*
عندما ظهرت السينما الصامتة في الولايات المتحدة وتبعتها سينما هوليود كنا دائما أول مستهلكي الصور المتحركة والسيناريوهات الخيالية القادمة من أمريكا، والآن كما عشنا في عيد المسلمين الجمعة الماضي بكل جوارحنا عرس الأمير وليام والأميرة كيت ميدلتون، نعيش أيضا خبر وفاة أو مقتل رجل أرادته أمريكا أن يكون في الزمان والمكان الذي أرادته هي، وأرادته أن ينتهي في الزمان والمكان الذي أرادته هي، ونحن كما تابعنا أفلام شارلي شابلن الصامتة نتابع أفلامها الناطقة ودائما في صمتنا الجنائزي.