الملك الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي البندقداري الصالحي
النجمي لقب بـأبو الفتوح. سلطان مصر والشام ورابع
سلاطين الدولة المملوكية
ومؤسسها الحقيقي، بدأ مملوكا يباع
في أسواق بغداد والشام وانتهى به الأمر كأحد أعظم
السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط. لقّبه الملك الصالح أيوب في
دمشق بـ"ركن الدين"، وبعد وصوله للحكم لقب
نفسه بالملك الظاهر. ولد بيبرس نحو عام 620 هـ / 1221م،
حقق خلال حياته العديد من الانتصارات ضد الصليبيين
وخانات المغول ابتداءً من معركة المنصورة سنة 1250
ومعركة عين جالوت انتهاءاً بمعركة الأبلستين ضد المغول
سنة 1277. وقد قضى أثناء حكمه على الحشاشين واستولى
أيضا على إمارة أنطاكية الصليبية.
حكم بيبرس مصر بعد رجوعه من معركة عين جالوت
واغتيال السلطان سيف الدين قطز من سنة 1260 حيث
خطب له بالمساجد يوم الجمعة 6 ذي الحجة 658 هـ / 11
نوفمبر 1260م[2] وتوفي يوم الخميس 27 محرم 676 هـ /
2 مايو 1277 م (عمر 54 سنة) بعد رجوعه من معركة
الأبلستين ضد خانات المغول سنة 1277. أحيا خلال حكمه
الخلافة العباسية في القاهرة بعد ما قضى عليها المغول في
بغداد، وأنشأ نظُماً إداريةً جديدة في الدولة. اشتهر بيبرس
بذكائه العسكري والدبلوماسي، وكان له دور كبير في تغيير
الخريطة السياسية والعسكرية في منطقة البحر
[center]أصله ونشأته
مختلف في أصله، فبينما تذكر جميع المصادر العربية
والمملوكية الأصلية[3][4][5][6][7][8][9] أنه تركي من القبجاق
(كازاخستان حالياً)، فإن بعض الباحثين المسلمين في العصر
الحديث يشيرون إلى أن مؤرخي العصر المملوكي من عرب
ومماليك كانوا يعتبرون الشركس من الترك، وأنهم كانوا
ينسبون أي رقيق مجلوب من مناطق القوقاز والقرم للقبجاق،
وذكر المقريزي بأنه وصل حماة مع تاجر وبيع على الملك
المنصور محمد حاكم حماة لكن مالم يعجبه وأرجعه، فذهب
التاجر به إلى سوق الرقيق بدمشق وهو في الرابعة عشر من
عمره، وباعه هناك بثمانمئة درهم لكن الذي اشتراه أرجعه
للتاجر لأنه كان فيه عيب خلقي في إحدى عينيه (مياه
بيضاء)، فاشتراه الأمير "علاء الدين أيدكين البندقدار". ثم
انتقل بعد ذلك إلى خدمة السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب
بالقاهرة. وأعتقه الملك الصالح ومنحه الإمارة
فصار أميراً. كان بيبرس ضخماً طويلاً ذا شخصية قوية،
وصوته جمهوري وعيناه زرقاوان، ويوجد بإحدى عينيه
نقطة بيضاء، وقد يكون سبب زرقة عينيه أن أصله كان
مختلطاً[10]. كان شعار دولته "الأسد" وقد نقش صورته على
الدراهم.
بزوغه
معركة المنصورة
برز بيبرس عندما قاد جيش المماليك في معركة المنصورة
ضد الصليبيين في رمضان من عام 647 هـ / 1249 م. فقد
شن الفرنجة هجوماً مباغتاً على الجيش المصري مما تسبب
بمقتل قائد الجيش "فخر الدين بن الشيخ" وارتبك الجيش
وكادت أن تكون كسرة إلا أن خطة معركة أو "مصيدة
المنصورة" التي رتبها بيبرس، القائد الجديد للمماليك
الصالحية أو البحرية وبموافقة شجرة الدر التي كانت الحاكمة
الفعلية لمصر في تلك الفترة بعد موت زوجها سلطان مصر
الصالح أيوب. فقاد الهجوم المعاكس في تلك المعركة ضد
الفرنج، وتسبب بنكبتهم الكبرى في المنصورة. التي تم فيها
أسر الملك الفرنسي لويس التاسع وحبسه في دار ابن لقمان.
[center]
توران شاه
بعد وفاة السلطان الصالح أيوب استدعت شجرة الدر ابنه
توران شاه من حصن كيفا، ونصبته سلطاناً على مصر ليقود
الجيش المصري ضد القوات الصليبية الغازية. لكن ماإن
انتهت الحرب، حتى بدأ توران شاه بمضايقة شجرة الدر وظل
يطالبها برد أموال ومجوهرات والده، وفي نفس الوقت توعد
وهدد مماليك أبيه واستبعدهم من المناصب ووضع مكانهم
أصحابه الذين أتوا معه من حصن كيفا. مما حذا بالمماليك
الإسراع في قتله قبل خروج الفرنج من دمياط، فقُتل بمشاركة
بيبرس وفارس الدين أقطاي في فارسكور.
وبعد مقتل توران شاه نصب المماليك شجرة الدر سلطانة
باعتبارها أرملة السلطان الصالح أيوب وأما ابنه خليل فقد
مات صغيراً، وطلبوا من الأمراء الأيوبيين في الشام
الاعتراف بسلطنتها. فرفض أيّوبيّو الشام هذا التنصيب، لأن
ذلك معناه نهاية دولتهم في مصر، وأيضا لم يوافق الخليفة
العباسي المستعصم بالله في بغداد الذي اعترض على ولاية
امرأة. فتسلم السلطنة عز الدين أيبك الذي تزوجها لكي يتمكن
من الحكم. ولكن الأيوبيين لم يوافقوا على ذلك وتم إرسال
جيش إلى مصر بقيادة صاحب حلب ودمشق الناصر يوسف
لاحتلالها وتحريرها من المماليك، ولكنهم هُزموا أمام
المماليك، وفرّوا هاربين إلى الشام مما مكن المماليك من
تثبيت حكمهم في مصر.
صراع المماليك
بعد استتاب الأمر للمماليك في حكم مصر بقيادة السلطان أيبك، بدأ أمر
أقطاي يستفحل، وأحس السلطان عز الدين أيبك
بزيادة نفوذه، خاصة بعدما طلب من أيبك أن يفرد له مكاناً في
قلعة الجبل، ليسكن به مع عروسه[3]، فقرر قتله بالتعاون مع
مملوكه سيف الدين قطز والمماليك المعزية، فاستدرجه إلى
قلعة الجبل واغتاله وألقى برأسه إلى المماليك البحرية الذين
تجمعوا تحت القلعة مطالبين بالإفراج عنه وكان ذلك سنة
652 هـ / 1254م. ففر المماليك البحرية من مصر إلى
سوريا والكرك وسلطنة الروم السلاجقة وأماكن أخرى، وكان
في مقدمتهم بيبرس وقلاوون الألفي وبلبان الرشيدي وسنقر
الأشقر الذين فروا إلى دمشق.
فرح الناصر يوسف بما حصل ورحب بهم، وحاول أن
يستخدمهم ضد أيبك. فأرسل الناصر يوسف جيشه للهجوم
على مصر وبمساعدة المماليك البحرية الذين معه في هذه
المرة، ولكن ما إن وصل حدود مصر حتى اضطر إلى أن
ينسحب ويوافق على شروط أيبك التي كان من ضمنها إبعاد
البحرية عن سوريا فرحلوا إلى الكرك[3]. فاستقبلهم صاحب
الكرك المغيث عمر أحسن استقبال، وفرق فيهم الأموال[11]،
وحاول الهجوم على مصر بدعم المماليك البحرية ولكنه مني
بهزيمة أمام أيبك وكر راجعا وكان ذلك سنة 656 هـ /
1258 م[3][12]. وإثناء عودة المماليك منهزمين من مصر
هاجموا غزة التي تعد تابعة للناصر يوسف، فهزموا الحامية التي بها
وأسروا آمرها، فقوي أمرهم[13].
وفي أثناء تحرك البحرية في جنوب الشام، صادفوا في غور
الأردن فرقة الشهرزورية[14]، التي فرت من العراق تحت
ضغط التتار، فاتفقوا معهم وتزوج بيبرس امرأة منهم لتوثيق
الاتفاق بالمصاهرة[12]. مما حرك المخاوف عند الناصر
منهم، فحرك عساكره إليهم، فهزم البحرية عسكر الشام،
فركب الناصر بنفسه وبكل جيشه، ففرت البحرية إلى الكرك
والشهرزورية إلى مصر[9][12]. فتابع تحركه نحو الكرك
وحاصرها، فأراد المغيث حل القضية سلمياً مع الناصر،
فوافق الناصر على شرط تسليمه المماليك، وفي أثناء الحصار
شعر بخطورة الموقف أحد مقدمي البحرية، وربما أذكاهم
وأكثرهم أهلية للقيادة -وكان هو الظاهر بيبرس- الذي يعرف
بدقة أين يجب أن يكون في كل ظرف، فتسلل من قلعة الكرك
ولجأ إلى الناصر يوسف الذي استقبله وعفا عنه. أما باقي
المماليك فقد استلمهم الناصر من المغيث وأودعهم سجن قلعة
حلب، وبقوا فيها حتى احتل التتار حلب وأخذوهم
منها[12][15].
بعد توجه المغول إلى حلب واستيلائهم عليها وتدميرهم لها،
مما أثار موجة من الرعب في قلوب المسلمين وحكامهم،
فمنهم من هرب إلى مصر كما فعل صاحب حماة، ومنهم من
فضل الاستسلام حقنا للدماء كما فعل حاكم حمص. ولم يبق
من المدن المهمة سوى دمشق التي جمع حاكمها الناصر من
الجيوش لمواجهة المغول، ثم مالبث أن انفضت تلك الجيوش
من حوله، وذلك بأنه كان محتاراً في ما يفعل اتجاه المغول.
فما كان من المماليك الرافضين لتصرفاته المترددة إلا أن
حاولوا قتله وتولية أخيه الملك الظاهر علي مكانه[12].
فاكتشف الناصر تلك المؤامرة وفر ليلاً من المعسكر إلى قلعة
دمشق وتحصن بها، فلما علم مماليكه بهربه وافتضاح أمرهم
ساروا نحو غزة برفقة بيبرس البندقداري، ومن غزة اتصل
بسلطان المماليك الجديد قطز، فدعاه للعودة وأقطعه قليوب
وأنزله بدار الوزارة وعظم شأنه لديه[16].
[center]
عين جالوت
عاد لمصر بعد أن ولاه سيف الدين قطز منصب الوزارة عام
1260 ميلادية ليشتركا معا في محاربة المغول الذين كانوا
في طريقهم إلى مصر بعد اجتياحهم المشرق الإسلامي ثم
العراق وإسقاطهم الدولة العباسية في بغداد. وقد أرسل
هولاكو رسلا لقطز يحملون كتابا فيه تهديد ووعيد إن لم
يخضعوا له. فعقد سيف الدين قطز اجتماعا مع وجهاء الدولة
وعلمائها وتم الاتفاق على التوجه لقتال المغول إذ لا مجال
لمداهنتهم. وقد اختلى قطز ببيرس البندقداري الذي كان أمير
الأمراء واستشاره في الموضوع. فأشار عليه بأن: أقتل
الرسل، وأن نذهب إلى كتبغا متضامنين. فإن انتصرنا أو
هزمنا، فسوف نكون في كلتا الحالتين معذورين. فاستصوب
قطز هذا الكلام، وقام بقتل رسل المغول[17]. وقد زاد من
عزيمة المسلمين وصول رسالة من صارم الدين الأشرفي –
وقد وقع أسيرا في يد المغول إثناء غزوهم الشام ثم قبل
الخدمة في صفوفهم- أوضح لهم فيها قلة عددهم وشجعهم
على قتالهم وأن لايخافوا منهم[18]. وقد استفاد قطز من رحيل
هولاكو إلى فارس على رأس معظم جيشه بعد سماعه بوفاة
أخيه الخان الأعظم، فمن تبقى بالشام من عساكر المغول تحت
قيادة كتبغا يتراوح ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف رجل[19].
قام سيف الدين قطز بتقسيم جيشه لمقدمة بقيادة بيبرس وبقية
الجيش يختبئ بين التلال وفي الوديان المجاورة كقوات دعم
أو لتنفيذ هجوم مضاد أو معاكس. فقامت مقدمة الجيش بقيادة
بيبرس بهجوم سريع ثم إنسحبت متظاهرة بانهزام لسحب
خيالة المغول إلى الكمين، وانطلت الحيلة على كتبغا فحمل
بكل قواه على مقدمة جيش المسلمين واخترقه وبدأت المقدمة
في التراجع إلى داخل الكمين، وفي تلك الأثناء خرج قطز
وبقية مشاة وفرسان الجيش وعملوا على تطويق ومحاصرة
قوات كتبغا، فعندئذ استحر القتل ولم يمض كثيرا من الوقت
حتى هزم الجيش المغولي وقتل معظمهم بمن فيهم قائدهم
كتبغا.
مقتل قطز
بعد انتصار قطز على المغول في عين جالوت، ساق ورائهم
لتحرير باقي مدن الشام، فتحررت دمشق وحماة وحمص
وأرسل بيبرس ليطرد التتار من حلب ويتسلمها ووعده
بنيابتها، فلما طردهم منها وتسلمها المسلمون، استناب عليها
غيره وهو علاء الدين ابن صاحب الموصل، وكان ذلك سبب
الوحشة التي وقعت بينهما فاقتضى قتل السلطان قطز
سريعا[20]. فبعد عودة السلطان قطز من معركة عين جالوت
منتصرا قاصدا مصر، وصل ما بين الغزالي والصالحية
فضرب دهليزه، وساق خلف أرنب وساق معه بيبرس ومعه
الأمراء الذين اتفقوا على قتله، فشفع بيبرس في شيء[21]
فشفعه، فأخذ يده ليقبلها فأمسكها وحمل عليه الأمراء بالسيوف
فضربوه بها، وألقوه عن فرسه ورشقوه بالنشاب حتى قتلوه.
ثم كروا راجعين إلى المخيم وبأيديهم السيوف مصلتة،
فأخبروا خبرهم، فقال بعضهم من قتله؟ فقالوا: ركن الدين
بيبرس، فقالوا له: أنت قتلته؟ فقال: نعم، فقالوا أنت الملك
إذا[22].
وقيل لما قتل قطز حار الأمراء بينهم فيمن يولون الملك،
وصار كل واحد منهم يخشى غائلة ذلك، فاتفقوا على مبايعة
بيبرس البندقداري، ولم يكن هو من أكابر المقدمين، ولكن
أرادوا أن يجربوا فيه، فلقبوه الملك الظاهر وأجلسوه على كرسي الملك[
22].
[center]
بيبرس السلطان
بعد مبايعة بيبرس على ملك مصر أواخر ذي القعدة سنة
658 هـ، دقت الطبول فرحا بذلك، ودخل قلعة الجبل وجلس
على كرسيها. وقد لقب نفسه أول مرة بالقاهر، فقال له
الوزير: إن هذا اللقب لا يفلح من تلقب به. تلقب به القاهر بن
المعتضد فلم تطل أيامه حتى خلع وسملت عيناه، ولقب به
القاهر صاحب الموصل فسم ومات، فعدل عنه حينئذ إلى
الملك الظاهر، ثم شرع في مسك كل من يرى في نفسه
الرئاسة من أكابر الأمراء حتى مهد الملك[22].
السياسة الداخلية
ثورة علم الدين سنجر
وقد عمد أولا إلى القضاء على الاضطرابات الداخلية،
وتصفية معارضيه الذين احتجوا على مقتل السلطان قطز
ومنهم الأمير علم الدين سنجر الحلبي. وقد استنابه قطز
بدمشق، والذي نادى بنفسه سلطانا على دمشق وركب بشعار
السلطنة وأمر بالخطبة له على المنابر وضرب السكة باسمه،
ثم أرسل إلى الأمراء بحلب وحماة بوجوب طاعته. وقد جرد
بيبرس بحملة عسكرية ضده، وقد تمكنت تلك الحملة من
القضاء عليه وإعادة دمشق تابعة إلى مصر وذلك بتاريخ 16
صفر 659 هـ / يناير 1261م[3][18][23].
ثورة الكوراني
تمكن الظاهر بيبرس أيضا من القضاء على التمردات
الفاطمية في القاهرة والتي أثارها رجل يدعى الكوراني وهو
فارسي الأصل من نيسابور، وكان يهدف إلى قلب نظام الحكم
وارجاع الفاطميين، وقد نتجت تلك الحركة إلى إعلان
العصيان على بيبرس والمسير في شوارع القاهرة ليلا ثم
الهجوم على مخازن السلاح والإصطبلات وأخذ مابها من
السيوف الخيل، إلا أن الظاهر بيبرس تمكن بقواته الخاصة
من الإحاطة بالمتمردين والقبض على جميع زعمائهم ومنهم
الكوراني، حيث أقر السلطان بصلبه على باب زويلة بالقاهرة.
وبها انتهت جميع محاولات الفاطميين بالتمرد والعودة إلى
سدة الحكم[18].
[center]
إحياء الخلافة العباسية
أراد بيبرس أن يضفي لحكمه نوعا من الزعامة والنفوذ على
البلاد الإسلامية ولكي يمنح دولته الفتية نوعا من الشرعية،
فعمد إلى احياء الخلافة العباسية في القاهرة ليقيلها من
الانتكاسة التي اصابتها في بغداد على يد المغول. وعليه فقد
ارسل في طلب أحد أبناء البيت العباسي فوصل إلى القاهرة
القاسم أحمد في رجب 659هـ/يونيو 1261م، حيث قوبل
بالتكريم والاحترام، وبعدها بأيام عقد السلطان بيبرس مجلسا
عاما بالديوان الكبير بالقلعة واستدعى كل أعيان البلد، ثم قام
السلطان أمام الجميع فبايع الخليفة على العمل بكتاب الله وسنة
رسوله وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى
الجهاد في سبيل الله، فتبعه الجميع بالمبايعة ولقب الخليفة
المستنصر بالله[18].
بعد نهاية الخليفة الأول المؤلمة[24] واستقدم السلطان بيبرس
أخاه (أبي العباس أحمد) وعقد مجلسا لمبايعته للخلافة في
القلعة في 9 محرم 661 الموافق 22 نوفمبر 1262 وبايعه
بيبرس كما بايع سلفه، ولقب بالخليفة الحاكم بأمر الله الأول
وقد عدل عن التفكير بجعل مقر الخليفة في بغداد، حيث
أبقاه في القاهرة بعيدا عن خطر المغول، وبذلك احيت الخلافة
العباسية للمرة الثانية بالقاهرة، غير أن الخلافة لم تتدخل في
الشؤون المملوكية، حيث أن السلطة الفعلية في يد الظاهر
بيبرس والمماليك من بعدهه[18].
ترميم القلاع وطرق الإمداد
عمد السلطان بيبرس إلى تأمين وصول قواته إلى بلاد الشام
بالسيطرة على كل المدن والقلاع الممتدة على الطريق بين
مصر والشام وجعلها تابعة له، وبالأخص حصن الكرك الذي
كان تحت سيطرة الملك عمر بن العادل بن الكامل الأيوبي،
الذي لم يقدم فروض الطاعة له، فاستولى على الحصن وقتل
الملك عمر [3][18][25]. والتفت أيضا إلى تحصين الأطراف
والثغور وعمارة القلاع التي خربها المغول في الشام. وأخذ
يزودها بالرجال والسلاح من ممصر وبعض مدن الشام
القوية[3][7]. كما عمل على تقوية الأسطول والجيش وأشرف
بنفسه على بناء السفن الحربية في دور صناعتها الموجودة
في الفسطاط والإسكندرية ودمياط[18][26]. ولم يكتفي بهذا
العمل لتأمين وصول قواته إلى الشام ومنع أي التفاف حولهم
من الخلف، بل عمد أيضا إلى التحالف مع بعض القوى
الخارجية ليتفرغ للصليبيون.
[center]
النهضة المعمارية والتعليمية
شهد عهده نهضة معمارية وتعليمية كبيرة حيث عمل على
إنشاء العديد من المدارس بمصر ودمشق وتعرف المدرسة
المصرية باسم المكتبة الظاهرية بدمشق عام 676 هجرية
وتضم المدارس مكتبات ضخمة، كما أنشأ عام 665 هجرية
جامعا عرف باسمه إلى اليوم في مدينة القاهرة وهو جامع
الظاهر بيبرس والذي ما زال قائماً إلي اليوم، وتعرف
المنطقة حوله باسم حي الظاهر. كما عمل بيبرس على إنشاء
الجسور والقناطر والأسوار، وحفر الترع والخلجان، وأنشأ
مقياس للنيل وغيرها العديد من الأعمال. ونظم البريد
وخصص له الخيل، وبنى كثيرا من العمائر[1].
إصلاح الأماكن المقدسة
اهتم بيبرس بتجديد الجامع الأزهر فأعاد للأزهر رونقه فشن
عليه حملات من الترميم والتجميل حتى عاد له جماله ومكانته
مرة أخرى، وأعاد خطبة الجمعة والدراسة إلى الجامع
الأزهر بعد أن هجر طويلا، ونصب أربعة قضاة شرعيين،
واحدا من كل مذهب من مذاهب السنة الأربعة بعد أن كان
القضاء مقتصرا على قاضي قضاة شافعي. وفي خارج مصر
قام بعدد من الإصلاحات في الحرم النبوي بالمدينة المنورة،
وقام بتجديد مسجد إبراهيم عليه السلام في الخليل، وزار بيت
المقدس يوم الجمعة 17 جمادى الآخرة 661هـ / 1262م،
فقام بتجديد ماقد تهدم من قبة الصخرة[4]، وجدد قبة السلسلة
وزخرفها ورتب برسم مصالح المسجد في كل سنة خمسة
آلاف درهم. وأنشأ بها خانا للسبيل نقل بابه من دهليز كان
للخلفاء المصريين بالقاهرة[27]. وقد زار بيت المقدس في
شعبان سنة 664هـ / 1265م وأجرى عليها تعميرات