حالة غريبة من التخبط تنتابني منذ مدة.. كل الوجوه تبدو لي وجهاً واحداً.. لقد اختفت المعالم من وجوه الناس.. ألا يلاحظون هذا؟ ألا يلاحظون أنهم كلهم متشابهون و يملكون الوجه ذاته و العيون ذاتها و الأنف ذاته؟؟
حتى أصواتهم لها ذات اللحن و ذات الإيقاع .. و كلهم يقولون نفس الكلام.. أمعقول أنهم لا يلاحظون؟؟
عندما عدت لعملي بعد فترة انقطاع لم أستطع أن أخفي حالة القرف التي تملكتني، المكان ذاته.. المكاتب ذاتها بنفس التوزيع و نفس الأشياء عليها.. الكراسي نفسها بنفس اللون و الرائحة.. الأشخاص نفسهم ..بثيابهم ذاتها و شعرهم و كلامهم..مالهم يقولون كلهم صباح الخير بنفس الأسلوب و نفس الابتسامة ؟؟؟
أما ما عصف بي و أشعل غضبي فكان مديري في العمل.. إنسان لحوح إلى أقصى درجات الإلحاح.. متطلب لدرجة تفقدني أعصابي حتى لأكاد أطبق بيدي على رقبته حتى يكف عن الكلام و الطلبات.. و قمة لحظات نقمي هي عندما يتحمس لمشروع ما... عندها لا يرضيه شيء ..
أحياناً يتناول طعام غذائه عندما أكون عنده في المكتب، غالباً ما يشتري سندويش غريب الرائحة مليء بالتوابل و يأكل بطريقة تصيبني بالغثيان .. يا إلهي ما له يأكل هكذا؟ و لم أمامي؟؟ ألا يستطيع أن يؤجل العمل حتى ينتهي من طعامه؟؟؟
لا أفهم كيف يمكن للأشخاص أن يكرروا أنفسهم، كيف يرضون أن يكونوا متشابهين.. بالفعل عمليات التجميل تكون ذات فائدة عظيمة عندما يتشابه الناس .. من قال أنها تعطي للجميع نفس شكل الأنف و العيون و الشفاه؟؟ على العكس تماماً، هي توجد الاختلاف بين الوجوه المتشابهة..
خرجت من عملي، كنت أنتظر والدي على الرصيف ليقلني إلى البيت.. ، أخذت أعد بلاطات الرصيف الرمادية و أتخيل أشكال مختلفة لها.. كانت مجموعة من النمل تقطع الرصيف ذهاباً و إياباً و هي تنقل الطعام على ظهرها.. كل نملة تعرف دورها و تتقنه، كانت تسير بخط مستقيم منتظم و تبدو مستمتعة بما تعمل.. استغرقت في مراقبتها و رحت أفكر ترى لو كنت نملة، أكنت سأشعر بما أشعر به الآن؟
يقال أن الإنسان تميز عن باقي المخلوقات بالعقل، يستخدمه ليفكر و يخطط و يقرر ما هو في صالحه و ما يجعله سعيداً، يقال بأن العقل زينة، و من يملكه فقد أوتي أعظم الخيرات.. لكني، و الآن في هذه الفترة، أجد أن كل المخلوقات التي لا تملك عقل الإنسان أكثر سعادة و طمأنينة و راحة ...
الآن عرفت جواب سؤالي.. ليتني كنت نملة.
منقول