(هذه قصيدة على لسان أسير لوالده في ليلة تنفيذ حكم الاعدام عليه ظلما و جورا)
أبتاه ماذا قد يخط بناني .. و الحبل و الجلاد ينتظران
هذا كتاب إليك من زنزانة مقرورة صخرية الجدران
لم تبق إلا ليلة أحيا بها ,, واحس أن ظلامها أكفاني
ستمر يا أبتاه لست أشك فى هذا وتحمل بعدها جثماني
الليل من حولي هدوء قاتل .. والذكريات تمور فى وجداني
ويهدني ألمي فأنشد راحتي في بضع آيات من القرآن
والنفس بين جوانحي شفافة .. دب الخشوع بها فهز كياني
قد عشت أومن بالإله ولم أذق .. إلا أخيرا لذة الإيمان
شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم .. فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لي امي .. ولا وضعوه فوق خوان
كلا ولم يشهده يا أبتي معي اخوان لي جاءاه يستبقان
مدوا إلي به يدا مصبوغة بدمي وهذه غاية الاحسان
والصمت يقطعه رنين سلاسل .. عبثت بهن اصابع السجان
ما بين آونة تمر واختها .. يرنو إلي بمقلتي شيـــطان
من كوة بالباب يرقب صيده .. ويعود فى أمن إلى الدوران
أنا لا أحس بأي حقد نحوه .. ماذا جناه فتمسه أضغاني
هو طيب الاخلاق مثلك ياأبي .. لم يبد فى طمأ إلى العدوان
لكن إن نام عني لحظة .. ذاق العيال مــرارة الحرمان
فلربما وهو المروع سحنة .. لو كان مثلي شاعرا لرثاني
أو عاد من يدري الى اولاده .. وذُكّرَ صورتي لبكاني
وعلى الجدار الصلب نافذة بها .. معنى الحياة غليظة القضبان
قد طالما شارفتها متأملا فى .. السائرين على الأسى اليقظان
فأرى وجوما كالضباب مصورا .. ما فى قلوب الناس من غليان
نفس الشعور لدى الجميع ,, وإنما كتموا وكان الموت فى إعلاني
ويدور همس فى الجوانح ما الذي فى الثورة الحمقاء قد أغراني
أولم يكن خيرا لنفسي أن أرى مثل الجموع أسير فى إذعان
ما ضرني لو قد سكت وكلما غلب الأسى بالغت فى الكتمان
هذا دمي سيسيل مطفئا ما ثار فى جنْبَي من نيران
وفؤادي الموار فى نبضاته سيكف من غده عن الخفقان
والظلم باق لن يحطم قيده موتي ولن يودي به قربان
ويسير ركب البغي ليس يضيره .. شاة اذا اجتثت من القطعان
هذا حديث النفس حين تشف عن بشريتي وتمور بعد ثوان
وتقول لي إن الحياة لغاية أسمى من التصفيق للطغيان
أنفاسك الحرى وإن هي أخمدت ,, ستظل تغمر افقهم بدخان
وقروم جسمك وهو تحت سياطهم .. قسمات صبح يتقيه الجاني
دمع السجين هناك فى أغلاله ودم الشهيد .. هنا سيلتقيان
حتى إذا ما أفعمت بهما الربا .. لم يبق غير تمرد الفيضان
ومن العواصف ما يكون هبوبها .. بعد الهدوء وراحة الرباني
إن احتدام النار في وجهه ,, أمر يثير حفيظة البركان
وتتابع القطرات ينزل بعده .. سيل يليه تدفق الطوفان
فيموج يقتلع الطغالة مزمجرا ,, أقوى من الجبروت والسلطان
أنا لست أدري هل ستذكر قصتي ,, أم سوف يعدوها رحى النسيان
أو أنني سأكون فى تاريخنا ,, متآمرا أم هادم الاوثان
كل الذي أدريه أن تجرعي كأس المذلة .. ليس فى إمكاني
لو لم أكن فى ثورتي متطلبا .. غير الضياء لأمتي لكفاني
أهوى الحياة كريمة ,, لا قيد ,, لا إرهاب ,, لا إستخفاف بالإنسان
فإذا سقطُت .. سقطُت أحمل عزتي يغلي دم الأحرار فى شِرياني
أبتاه إن طلع الصباح وأضاء نور الشمس كل مكان
واستقبل العصفور بين غصونه يوما جديدا مشرق الألوان
وسمعت أنغام التفاؤل ثرة تجري على فم بائع الألبان
وأتى يدق- كما تعود- بابنا .. سيدق باب السجن جلادان
وأكون بعد هنيهة متأرجحا ,, فى الحبل مشدودا إلى العيدان
ليكن عزاؤك أن هذا الحبل ما صنعته فى هذي الربوع .. يدان
نسجوه في بلد يشع حضارة .. وتضاء منه مشاعل العرفان
أو .. هكذا زعموا .. وجيىء به إلى بلدي الجريح .. على يد الاعوان
أنا لا أريدك أن تعيش محطما .. في زحمة الآلام والأشجان
إن ابنك المصفود فى أغلاله .. قد سيق نحو الموت غير مدان
فاذكر حكايات بأيام الصبا .. قد قلتها لي عن هوى الأوطان
وإذا سمعت نشيج امي في الدجى .. تبكى شبابا ضاع في الريعان
وتكتم الحسرات فى أعماقها ألما تواريه عن الجيران
فاطلب إليها الصفح عني .. إنني لا ابتغي منها سوى الغفران
مازال فى سمعي رنين حديثها ومقالها فى رحمة وحنان
ابني إني قد غدوت عليلة لم يبق لي جلد على الأحزان
فأذق فؤادي فرحة بالبحث عن بنت الحلال .. ودعك من عصيان
كانت لها أمنية ريانة يا حسنآمال لها وأمان
غزلت خيوط السعد مخضلا ولم يكن إنتفاض الغزل .. فى الحسبان
والآن لا أدري بأي جوانح ستبيت بعدي ,, أم بأي جنان
هذا الذي سطرته لك يا أبي .. بعض الذي يجرى بفكر عان
لكن إذا انتصر الضياء .. ومُزقت بيد الجموع شريعة القرصان
فلسوف يذكرني ويُكبر همتي .. من كان فى بلدي حليف هوان
وإلى لقاء تحت ظل عدالة ,, قدسية الأحكام والميزان
الشاعر الشهيد: هاشم الرفاعي...
منقول