سـعدي يوسـف
تقومُ الليلَ ، أوكتافيا ، قياماً
وتهجرُني إذا طلَعَ الصباحُ
أحاوِلُ مُهْرةً ، فتروغُ طيراً
وألمُسُ جمرةً ، فالروحُ راحُ
على قَسَماتِها ضوءٌ وظِلٌّ
وتحتَ ثيابِها قصصٌ مِلاحُ
تظلُّ تطوفُ في الحاناتِ حتى
تقولَ الكأسُ : أينَ بنا يُراحُ ؟
*
بينَ السادسةِ ، الصبحَ
والسادسةِ ، المغربَ
تُمْضي أوكتافيا يومَ العملِ القاسي
في إحدى الحاناتِ
تقدِّمُ خمراً
وتُعِدُّ شطائرَ
أو تضغطُ قهوةَ إكسبرَسّــو...
أحياناً تخرجُ من خلفِ الكونتوارِ
لتوصِلَ فنجاناً أو كأساً
( ربُّ العملِ المتحفِّزُ كان يهوديّاً ) ...
*
و أوكتافيا ترى العسلَ المصَفّى
بكأسٍ مِلؤها ماءٌ قُراحُ
إذا سكِرَ الزبائنُ قدّمَتْها
لهم ، جرَساً ، فراحوا واستراحوا
أراقبُها على بُعْدٍ ، مكاني
بأقصى الحانِ ، أسمعُ ما يُتاحُ
فإنْ حلَّ المساءُ دنوتُ منها
لأصحبَها ، فتصحبني الرياحُ
كأنّ شميمَها راووقُ خمرٍ
تكدَّسَ في حوافيهِ الأقاحُ !
*
تخرجُ من حانتِها
( حيثُ العملُ المأجورُ )
لتدخلَ في أُولى حاناتِ الشارعِ؛
لكنّ لأوكتافيا ، الآنَ ، الأُبَّهةَ الـمُثْـلى ...
تختارُ لنا طاولةً
تجلسُ ، عنقاءَ ، وقد وضعتْ في بهجتِها
الساقَ على الساقِ
وتوميءُ كي تأتيها ساقيةٌ
تطلبُ ما تطلبُ ...
تغمزُ لي :
هاأنذا حُرَّةْ !