القلب، ليس كما يقول الشاعر الاسكتلندي وليام شارب، صيادا وحيدا،على الاقل ليس ذلك من طبيعته، لأن الوحدة في الواقع تضغط على القلب، وعلى نظامالقلب والشرايين والأوعية كلها، وتلحق الأذى بها تماما، كما يفعل ضغط الدم العالي،او تزايد نسبة الكوليسترول في الدم. اما الذي يجعل القلب والشرايين تحيا وتنتعش فهيالصلات الاجتماعية والحب والعلاقات الحميمة.
والعديد من الناس لا يتنعمونبالكثير من ذلك، فالأميركي العادي له شخص واحد أو شخصين، يمكنه الحديث اليهما فيأمور اساسية ومهمة، كما ان ربع السكان ليس لديهم شخص قريب منهم، استنادا الى احصاءقومي نشر في يونيو العام الماضي في نشرة «أميركان سوسيوليجكال ريفيو». كذلك يصنفنحو 20 من الاميركيين انفسهم كوحدانيين.
ومنذ أواسط التسعينيات ظهر اهتمامكبير، مع دلائل حول تأثير الوحدة والصلات الاجتماعية على الصحة. وكان الباحثون قدربطوا بين الوحدة والمشاكل الطبيعية التي تراوح بين ضعف نشاط النظام الدفاعي فيالجسم وحصانته وقصر فترة الحياة. وقد تركز قدر كبير من الاهتمام والتدقيق على نظامالشرايين والاوعية، من هنا لا بد لنا من اخذ هذه النتائج بعين الاعتبار:
- الناجون من النوبات القلبية الذين يعانون كثيرا من الوحدة الاجتماعية هم عرضة اربعةاضعاف للوفاة خلال السنوات الثلاث التي تعقب اصابتهم، من اولئك الذين يملكون شبكاتوصلات اجتماعية كثيفة ويعانون قليلا من التوتر.
- الاشخاص المسنون الذين لايتلقون ابدا، أو يتلقون القليل من الدعم العاطفي، الذين عولجوا في المستشفيات بسببالفشل القلبي، معرضون ثلاثة اضعاف الى خطورة النوبات القلبية، او الوفاة، في السنةالتي تلي اصابتهم مقارنة باولئك الذين يتمتعون بصلات اجتماعية جيدة.
- فياحصاء شمل 229 من سكان مدينة شيكاغو كان الضغط الدموي 30 نقطة اعلى لدى الاشخاصالوحدانيين من اولئك الذين لا يعانون من هذه المشكلة. والمواطنون السويديون الذينيتهيأون لاجراء عمليات القلب المفتوح، والذين وقعوا على بيان دونت فيه عبارة «نعمأنا وحيد»، كان احتمال وفاتهم خلال الخمس سنوات التي تعقب العملية الجراحية ضعفالذين لم يوقعوا هذه العبارة.
* الوحدة ومعيارها والوحدة مثل الجمال تعتمد على نظرة الشخصالمعني لها، اي انها نظرة ذاتية قد ترغب في المزيد من العلاقات الاجتماعية، اوالمختلفة، وقد يشعر صاحبها بأنه معزول تماما، ولا يمكنه الانسجام مع البيئةالمحيطة. والوحدة ليست بالضرورة هي العيش وحيدا، فبعض الذين يعيشون بمفردهم، يرونمع ذلك افراد العائلة والاصدقاء بين الحين والاخر، ويشعرون تماما انهم مدعومون وعلىاتصال دائم مع الاخرين، في حين يشعر البعض الاخر، رغم انه يعيش محاطا بالعائلةوالاصدقاء، بالوحدة.
ولا أحد يعرف تماما كيف ان الوحدة تلحق الاذى بنظامالدورة الدموية، وكيف ان العلاقات الجيدة تقوم بتغذيتها. لكن الاحتمال هو انالعلاقات الاجتماعية تؤثر نوعا ما على بعض مناطق الدماغ التي من شأنها ان تهدئالجسم، او ان تضعه على إهبة الاستعداد لمواجهة الخطر. والنتيجة مزيد من الهرموناتالتي تؤثر على ضغط الدم ومرونة الشرايين والتهابها، وهي السبب الكامن الاساسيللامراض القلبية.
ورغم ان الاحتمالات واردة في ان اي شخص بمقدوره ان يكونوحيدا، الا انه أمر شائع بين المسنين. غير ان الاتجاه الاميركي في الحركة الدائمةيجعل الاطفال والاصدقاء معرضين الى الانتقال الى مناطق مختلفة من البلاد، اوالعالم، مما يعرض شبكاتهم الاجتماعية الى التصدع الدائم.
والاشخاص الذينيعانون من الوحدة يدركون قبل غيرهم ان تأسيس علاقات جديدة ليس بذلك الامر السهل. والقليل منهم يملك الشجاعة الكافية للدخول في معترك الحياة الاجتماعية عن طريقالانخراط في النوادي، او في صفوف لتعلم بعض الهوايات، او الاشتراك في النشاطاتالخاصة بدور العبادة. وبالنسبة الى العديد من الاشخاص الوحيدين فان القيام بذلك هومن الصعوبة بمكان كتسلق قمة ايفرست. وقد يبدأ الحل بالنسبة اليهم في فهم واستيعابجذور المشكلة التي قد يكون سببها النشاط او المزاج. كما ان التوتر قد يجعل الاوضاعالاجتماعية تبدو شديدة الوطأة، او قد لا يملكون لأسباب كثيرة موهبة صنع الصداقاتوالمحافظة عليها.
* القلب المفتوح وبالنسبة الى العديد من الاشخاص فانهمبحاجة الى عملية قلب مفتوح، لكن من نوع اخر يمارسه محترفون يفتحون مغاليق الذات، ايالعلاج بالكلام وتبادل الحديث، فاذا كانت الوحدة مشكلة دائمة في الحياة، فان الحديثمع احد المتخصصين بالنصح والمواساة، او طبيب نفسي، او اي محترف اخر للصحة العقلية،قد يساعد في تفهم ما يعترض عملية اقامة الصداقات والعلاقات وتلقين المهارات الجديدةللشروع فيها وتطويرها. فاذا كانت هناك مشكلة كامنة تتعلق بالتوتر، او الكآبة، فانتناول عقار قد يساعد في تخفيف الحالة.
واذا كنت من المصابين بالوحدانيةوتحاول انقاذ نفسك فالإيثار وحب الغير هي الخطوة الاولى. حاول ممارسة شيء تعرفهجيدا، كالرياضيات مثلا لمساعدة الاخرين، فالمدارس المختلفة ترحب بالمعلمينالمتطوعين الذين بمقدورهم مساعدة الاطفال في تحسين مستواهم في الرياضيات وقدرتهمعلى القراءة والمهارات الاكاديمية الاخرى. وهناك مجموعات مثل «ميندد هارتس» وهيجمعية دعم وطنية للاشخاص المصابين بأمراض قلبية تقدم فرصا لعقد الصداقات والاتصالاتمع محاولة مساعدة الاخرين.
ومن شأن بذل المزيد من الوقت والجهد في سبيلالعلاقات الاجتماعية ان يجني فائدة كبيرة كالعناية بضغط الدم العالي، او اعتمادوجبات غذائية صحية، والاشخاص الذين يرفلون بشبكات اجتماعية غنية يعيشون بشكل عامفترة اطول، وتكون مدة نقاهتهم اقصر بعد النوبات القلبية والنكسات الصحية الاخرى،فضلا عن تنعمهم بحياة اكثر سعادة.