الوثائقيات .. دهشة المعرفة
تاريخ النشر: الأربعاء 20 يوليو 2011
هو نوع من الإدمان، والبعض يفسره بالحاجة الإنسانية الطبيعية للمعرفة، بينما تعتبره القوانين الحديثة حقا لا يمكن التنازل عنه أو النيل منه، وفي نظر القانون الدولي فإن الحق في الإعلام والمعرفة وتوافر المعلومة يصنف من حقوق الإنسان الأساسية التي اعتبرت على الدوام إنجازا في مسيرة الإنسان وحدا فاصلا بين التحضر والتخلف في الدول والمجتمعات، هكذا هو الإعلام وهذا ما وصل إليه مستوى التعاطي مع وسائله المقروءة والمرئية والمسموعة، والتي تعتبر التجسيد العملي لهذا الحق، ومع ذلك فنحن لازلنا في العالم العربي نتعامل مع الإعلام من زاوية واحدة وضيقة ومختزلة جدا، فالإعلام لدينا لايزال مجرد مسلسل ولقاء فني ومباراة كرة قدم، يعني لازلنا نرى الإعلام مجرد ترفيه لا أكثر ولا أقل !!
والترفيه حتى لا نظلم أنصاره والمتعصبون له، مهم وضروري ولا غنى عنه، بل ربما نظر بعض منظري وأساتذة علم الإعلام إلى التلفزيون مثلا على أنه وسيلة ترفيه ليس أكثر، وأنه لا يمكن أن يكون وسيلة تثقيف ومعرفة، هي وجهة نظر في النهاية لها مناصروها ولها من يعرضها كأي وجهة نظر أخرى من هذا النوع، لكننا من النوع الذي ينظر إلى الإعلام – خاصة في المجتمعات العربية والنامية – على أن له أدوارا تنموية وتثقيفية وتوعوية عديدة ومهمة، وأن انسياقه وراء الهدف أو الدور الترفيهي بالكامل قد أضر أكثر مما نفع، وتحديدا انقياده وراء خدمة الهدف الإعلاني بالتخلي عن قيم المجتمع وثقافاته.
كثيرون يتعاملون مع الإعلام على أنه حق، ولهذا السبب فإنهم ينتقدون الكثير من البرامج التي تعرضها بعض قنواتنا المحلية، ويعزفون عن مشاهدتها كنوع من الاحتجاج الصامت، وبعض كبار السن من أهلنا ممن يتابعون نشرات الأخبار وما يحدث في العالم بانتظام واهتمام يصيبهم شيئ من الاستياء إذا نزلوا فندقا في دولة أجنبية ولم يجدوا قناة عربية ضمن باقة قنواتها المتوفرة ويظلون في حالة توتر، إلى أن تتوافر المحطة العربية التي تنقل لهم ما يحدث هناك في أوطان العرب وفي العالم.
هذه العلاقة الحميمة والغريبة والحساسة مع التلفزيون والجريدة، تجعلني أبحث عن الصحيفة العربية كأول معلم في أي بلد أزوره، خاصة حين يكون هذا البلد قرية أو ريفا معلقا بين الأرض والسماء في آخر العالم، حيث يبدو كل ما هو عربي غريبا أو مدعاة للدهشة وجلب الانتباه، وحين نقلت جهاز التحكم في غرفتي بحثا عن قناة عربية، عثرث على إحدى القنوات الوثائقية المهمة فتوقفت عندها وتابعتها بشغف لم أعهده من قبل، حيث وفرة القنوات وتشتت الاهتمامات وطغيان المادة الخبرية يمنعنا عادة من التأمل وسبر أغوار عوالم الوثائقيات كما ينبغي.
الأفلام الوثائقية عالم ممتع وواسع ومترامي الفائدة والإبهار، كنت أرى فيلما في الشهر فيما سبق، لكنني خلال هذا الصيف أدمنت وثائقيات الجزيرة وتمنيت لو يكون بإمكاني التقاط قناة “ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي”، فهي من المنجزات الإعلامية الرائعة والناجحة بالفعل، لقد أحسست وأنا أتابع رحلة مجموعة من المستكشفين إلى منطقة القطب وجزيرة جرينلاند بأننا كمشاهدين عرب بحاجة ماسة إلى هذا النوع من الإعلام التثقيفي، حيث يعود المشاهد من هذا النوع من الأفلام أكثر معرفة وأقوى روحا، لكنه يعود ويجب أن يعود أشد تواضعا، حين يقف مبهورا أمام قوة هؤلاء الذين يخترقون عوالم وأمكنة لا تخطر على البال وتحتاج إلى الشجاعة أكثر من المغامرة ورغبة خدمة العلم أكثر من الشهرة.