اعتراف متأخر
على الرغم مما جاء في الحكايات والأساطير عن دور الفأر في خراب البيوت، وقرض الكتب، لكن الإنجليز لا يستعملون مصطلح قارض الكتب في لغتهم دلالة على القارئ النهم، ربما لكي لا يعطوا هذا الشرف للفأر الذي تسبب في حريق لندن الشهير، ويستعيضون عنه بمصطلح دودة الكتب “Book Worm” والفأر حتى العرب لم يسلموا من شره، فقد تسبب في خراب سد مأرب، وتفرق العرب أيدي سبأ.
ارتبطت الفئران بنقل الطاعون والأمراض وبثها بين الناس، إلا أن الفأر كان دائماً بطلاً لحكايات الأطفال المسلية، وقصص العبرة والحكمة للكبار، وسهم نجاح لشركة أميركية أصبحت اليوم عملاقة وعالمية هي “والت ديزني” التي قامت على مكائد شخصية القط والفأر، وكبرت بما جنته من غنى فاحش بسبب هذا الفأر الذي ظل يقتات على الزبالة، وغيره ينعم بالمال والشهرة والنجاح. وظل مضحياً دائماً من أجل صحة وشباب الجنس البشري، وتحقيق رغبات عقله الذي بلا حدود.
لقد بقي الفأر محطة تجارب، فاعتمد العلماء على نوع معين من الفئران، وشاركته في هذا المجال حيوانات أخرى كالقردة والخنازير والأرانب، إلا أن الجمعيات الخيرية والإنسانية وجمعيات الرفق بالحيوان لم تنتبه إلى الفأر بقدر انتباهها إلى الحيوانات الأخرى خشية انقراضها، أما الفأر فقد ترك وحده يدافع عن نفسه، فالفأر قديم في الحياة رغم عمره القصير، وعمره لم يتوقف على ما يُجرى في التجارب العلمية أو ما يطلق عليه من مبيدات حشرية وسموم فتّاكة، وما ينصب له من فخاخ و كفّاطات ومواد غرا لاصقة، وما يُغرى به من قطع الجبن الشهية.
بعض الشعوب التي لا تفرّط في دابّة تدبّ على الأرض، إلا وحولتها إلى صحن، بدأت تقرض الفئران وتتلذذ بالقطط والكلاب، حتى أصبحت اللعبة الحقيقية ليست بين القط والفأر أو في غياب القط يلعب الفأر، وإنما بين من يسنّ أسنانه من الناس على حيوان صغير قارض، لا يفيده دوماً الهرب والاختباء في السرب.
أخيراً.. ونتيجة لتضحيات الفأر الجليلة وما قدمه للجنس البشري من خدمات، قررت الصين تشييد نصب تذكاري للفأر المجهول، تكريماً له، وإعجاباً بمنجزاته، ولم تكتف أن تجعله على روزنامة التقويم الصيني بتسمية سنة الفأر، وكما هي سبّاقة في مثل هذا التكريم، فقد أقامت قبل فترة نصباً تذكارياً لـ 38 قرداً لقيت حتفها في التجارب الأخيرة لمرض سارس الذي سببه عدو الفأر التقليدي القط، أو ما يعرف بقط الزباد، ورغم ذلك تدخلت الصين لتحمي هذا القط وتنقذه من الانقراض والموت العشوائي، من أيدي الصينيين، وخاصة أهل الجنوب بعد أن حظرت بيع لحمه وطهيه وتقديمه على المائدة الصينية، رغم ما كبد قط الزباد الصين والشعوب الآسيوية من استنزاف مالي وبشري!