النصف الآخر
لم يعد الخلاف في وجهات النظر حول قضية من القضايا، والذي يصل حد الرفض القاطع من جهة والانحياز الكامل من الجهة المقابلة يثير الدهشة أو يستفز بالمرء الرغبة للانضمام إلى هذا الفريق أو الانتصار للآخر!، والمسألة ببساطة تبدو بالنسبة إلي ظاهرة طبيعية لا تستحق عناء التأمل لحجة أو حجة مقابلة.
لا أحب أن يكون هذا الطرح تعميما يسلب من المخلصين والمجيدين ما يصلون إليه من اجتهادات، غير أننا إزاء بعض القضايا لا نملك إلا أن نضحك أو نغتاض وكلاهما خيار مؤلم لأنه يعني أن الخلاف حول تلك القضايا المحددة قد خرج عن عدالته وموضوعيته، وإذا أردت أن أضرب مثالا قد لا أجد أوضح من قضية المرأة السعودية..
معظم ما أثرناه حول تلك العفيفة لا ذنب لها فيه، نعم الرجال قوامون على النساء، ونعم الولاية للرجل على المرأة، ولكن ذلك لا يعني تهميشها إلى هذا الحد الذي يجعل منها شيئا قابلا للمضغ حسب الهوى والمزاج، ولست ألوم من يتربص بها أو من يتعصب لها فلا خلاف بين الحالين، طالما أن كليهما مؤسس على أسباب ذاتية لا موضوعية، أعني أسبابا تتصل بالرجل أكثر من اتصالها بالمرأة، وإذا أردنا تحديدا أكثر فلدينا قرار وزارة العمل الذي سمح للمرأة السعودية بأن تعمل في محل بيع الملابس النسائية، القرار من وجهة نظر شخصية له وجاهته إذ إنه صون لكرامة المرأة الراغبة في الشراء التي عليها أن تصف شكل وحجم ملابسها الداخلية لبائع من الرجال هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فالبيع والشراء نشاط شريف وسعي إنساني مشروع للنساء كما للرجال فما هي المشكلة إذن؟ الرافضون للقرار يرون أن تلك خطوة أولى لانفلات المرأة ولست أعرف كيف؟ ويرون أنه يفتح بابا لتحرش محتمل من فضوليين يمرون بالأسواق، وهنا لا بد أن نسأل هؤلاء: ما رأيكم في زحامات الحج والعمرة؟ هل نمنع المرأة من أداء الفريضة خوفا عليها من احترازات غير واردة من الأساس؟.
يخالجني ظن أن الذين يتجهون بالقضية إلى هذا الاتجاه يعانون من كثير من سوء الظن، ليس للمرأة التي أثبتت عزة نفسها وصلابة إيمانها في مختلف المجالات ومع ذلك لا نريد أن نصدق، وإنما سوء ظن بالذات أعني عدم ثقة الرجل بنفسه، فيما يتجلى في مختلف المواقف بدءا من حبسها وحجبها في البيت عن العم والخال والجد، وانتهاء بتهيئة أسباب العيش الكريم خاصة إذا كبر احتياجها إليه، أي أنه لا يهم أن تموت جوعا داخل غرفة مغلقة ولا نسمح لها بممارسة عمل شريف.
كنت أقول إن مثل هذا الخلاف لم يعد يثير دهشتي، فنحن مجتمع يعيش ذروة الحضارة والتقدم جنبا إلى جنب مع ذروة التخلف وإلا لما كان هذا الجدل مطروحا بين عاقلين، كأنني أقول إن القضية ليست قضية المرأة التي هي نصف المجتمع والتي تملك كل أسباب المشاركة في نصف عادل في دفع حركة التنمية ولكنها مشكلة الرجل.
موضوع: النصف الاخر 
18/7/2011, 11:54
