يتابع المرء بألم شديد وذهول كبير ما يجري في بعض المجتمعات العربية، حيث تسمح الطغم الحاكمة لنفسها الفتك بشعوبها لدرجة الإبادة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تحت شعار “نحكمكم أو نقتلكم”، ولا تسمح لمن تسميه “الأجنبي” بمد يد العون للأبرياء الذين تُسفك دماؤهم بأبشع الصور والطرق والوسائل. وفي الوقت ذاته تسمع الإعلام الرسمي لتلك الطغم، وهو يردد مزاعمه السمجة أن الضحايا قضوا برصاص إرهابيين ومندسين. كما لو أن المتابعين لن يتوقفوا كثيرا أمام هذا الرصاص الذي يستهدف فقط مسيرات المعارضين، ولا يقترب من مواكب الموالين.
قبل أيام، شاهدنا في بعض تلك المجتمعات دبابات لم تكن تظهر من قبل لتسترد الحقوق المغتصبة أو ردع مستبيحي الأرض والسيادة الوطنية، وإنما زحفت الدبابات لتدك منازل مواطنين من نفس الوطن، لمجرد أن تجرأوا وقالوا كلمتهم في أوضاع يرزحون تحت وطأتها منذ عقود.
وتابعنا كيف فتكت بهم آلة الحرب والدمار والترويع والقتل المجاني، وهي المشتراة على حسابهم ومن قوتهم وأقوات أولادهم. ورأينا عشرات الجثث التي جاءتها رصاصات من الخلف، وأصحابها معصوبو العينين ومقيدو اليدين، واخترقت الرصاصات من الخلف أيضا جماجم الذين رفضوا إطلاق النار على بني جلدتهم.
وعندما تتنادى الدول الأخرى لنجدتهم إنسانياً، وتتداعى في محافل استصدار قرارات الإدانة والاستنكار والتدخل لحماية هؤلاء المدنيين العزل، تسمع ذات الأسطوانات المموجة في إعلامهم المحنط ذي اللغة الديناصورية المتخشبة، عن عودة الاستعمار، والتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية، وعدم احترام السيادة الوطنية للدول، كما لو أن تلك الطغم تريد من العالم منحها تفويضا دولياً للفتك بشعوبها وسومها سوء العذاب، كما لو كانت تلك البلدان وشعوبها ملكية خاصة يجوز لتلك الطغم إداراتها ومقدراتها بالصورة التي تشاء وكيفما تشاء من دون إبداء أي اهتمام بالتنمية الحقيقية التي تحتاج إليها بعيداً عن الشعارات الجوفاء والمعارك الوهمية والمؤامرات الخارجية التي تكتشف على شاشات الإعلام الرسمي.
تابعنا العثور على جثة شاعر أهازيج شارك في مظاهرة مليونية، وقد انتزعت حنجرته من مكانها، وألقي بجثته على ضفاف نهر يمر بالمدينة، من قبلها سمعنا عن شاعر خطف من منزله، وقذف به بين الحياة والموت عند باب أحد المستشفيات في المدينة، بعد أن تم قطع لسانه الذي تحرك ليتغنى برياح التغيير التي تهب على مناطق واسعة من هذا العالم العربي. وتختلف معها طرق تعامل من يعنيهم أمرهم، فمنهم من أصغى لمناشدات شعبه، وتفاعل معها بتغيير إيجابي حكيم، ومنهم من آثر إخراس ووأد أصوات تلك الجموع بإطلاق حمم القذائف والنيران على رؤوس مواطنيه، في جُمع عناوينها من واقع المعاناة والقهر. وشاهدنا مدناً بأكملها تحولت إلى مواكب لجنائز لم تعتقها رصاصات “المندسين” المشيعين لها، وأضحت ركاماً وأنقاضاً، ومدن أشباح غدت مرتعا لكلاب شاردة اجتذبتها روائح الدم والموت المتنقل. مشاهد ووقائع تجسد رخص قيمة الإنسان لدى طغــم تحكـم في تلك المجتمعات العــربية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.