ماوتسى تونج

هو الرجل الذي تزعم الحزب الشيوعي الصيني 27 عاما. واستطاع خلالها أن يقوم بتحولات فكرية خطيرة ليس لها نظير في تاريخ الصين.

ولد في احدي قري ولاية هونان. أبوه فلاح غني. وعندما كان في الثامنة عشرة من عمره قامت ثورة ضد النظام الملكي الفاسد الذي يحكم الصين منذ القرن السابع عشر. وبعد شهور من قيام هذه الثورة أنهي الحكم الملكي وأعلنت الجمهورية.

ولم يفلح الثوار في إقامة حكومة مستقرة موحدة. ولذلك كانت هذه الثورة فاتحة لحرب أهلية أشعلت القلق وعدم الاستقرار في الصين. وظلت الصين علي هذه الحال حتى سنة 1949م.

وكان ماو في شبابه يساريا متطرفا في أفكاره السياسية. وفي سنة 1920 أصبح من الواضح أنه ماركسي متعصب. وفي سنة 1921 أصبح واحدا من ألاثني عشر المؤسسين للحزب الشيوعي. وكان ارتقاؤه في الحزب بطيئا حتى بلغ زعامته فلم يصبح زعيما للحزب إلا في سنة 1937.

وفي نفس الوقت كان الحزب الشيوعي قد اختط طريقا طويلا صعبا بطيا حتى استولي علي السلطة في الصين. وقد أصيب الحزب بنكسات عنيفة في سنة 1927 وفي سنة 1934 ولكنه استطاع أن يتغلب علي هذه الأزمات الصعبة ولما كانت سنة 1947 بدا وضحا تماما أن الحزب قادر علي أن يشن حربا و واسعة النطاق ضد الحكومة الوطنية بزعامة شيانج كاي شك. وانتصرت القوات الشيوعية تماما في سنة 1949. وأصبحت السلطة كلها للحزب الشيوعي.

وهذه الصين التي استولي عليها حزب ماو قد مزقتها حروب أهلية استغرقت 38 عاما حتى أصبحت الصين فقيرة متخلفة أمية. وعندما استولي ماو علي السلطة كان يبلغ السادسة والخمسين من عمره. . ولقد حقق أعظم انجازاته السياسية بعد هذه السن. فحين تولي الحكم بدأ طريقه السياسي الذي حقق فيه لبلاده أعظم الأعمال السياسية. . وعندما توفي في سنة 1976 كان قد أكمل التحولات الكبرى في الصين.

ومن مظاهر هذه التحولات الخطيرة{تعصير}الصين. أي جعلها دولة عصرية. . فقد توسع في التصنيع والتعليم والتنمية والعناية بالصحة والتربية الوطنية. وهذه التغيرات التي أجراها علي الصين, وان كانت هائلة فقد حدثت في كثير من البلاد المعاصرة له, وهي لذلك عادية, ولا تعطي له هذا الحق في أن يشغل هذا المكان الرفيع من قائمة الخالدين المائة.

ومن التحولات الهائلة أيضا أنه نقل النظام الاقتصادي في الصين من الرأسمالية إلي الاشتراكية. طبعا اتخذت الصين نظاما شموليا في السياسة :أي سيطرة الرجل الواحد علي الحزب الواحد. واستخدم ماو كل أجهزة الدولة في الدعاية. ولذلك استقر له النظام الاقتصادي والسياسي. بل انه حقق أيضا ثورة اجتماعية.

فبعد أن كانت التقاليد الصينية تقدس الدولة. أصبحت تقدس الوطن. فلا ولاء إلا للصين. وهذا تحول خطيرا جدا في دولة كالصين عاشت ألوف السنين تقدس الأسرة والإباء والأجداد. ولم تكتف بذلك وإنما هاجمت كونفوشيوس وتعاليمه حتى عليه تماما.

ولم يكن ماو هو وحده الرجل الذي ارتقي المسرح السياسي وتحكم في مستقبل الصين. وإنما كان إلي جانبه رجال آخرون. وان كان أخطرهم حتى مماته. ومن بين المشاريع الذي تحمل دلالته وخطورته مشروع القفز خطوة إلي الأمام في نهاية الخمسينات. وقد تصور كثير من الغربيين أن هذا المشروع لم يحقق النجاح الذي يوازي الضخمة التي أحدثها. فقد كان المشروع يطالب بالصناعات الصغيرة في المزارع والقرى الجماعية في الريف. علي كل حال قد عدلت عنه الصين الآن !

وهناك مشروع آخر أخطر هو مشروع الثورة الثقافية في الستينات. كانت ثورة مخيفة. فقد اتخذها ماو فرصة لتصفية حسابه مع البيروقراطية في الحزب الشيوعي.

ومن الغريب أن ماو كان في الستينات من عمره عندما قام بمشروع الخطوة إلي الأمام. وفي السبعينات من عمره عندما أشعل الثورة الثقافية. . ثم كان في الثمانينات عندما حدثت التقارب بين الصين والولايات المتحدة .

وكان ماو يعتقد في مستهل حياته الثورية أن السند الأكبر للحزب يجب أن يرتكز علي العمال في المدن, وهي فكرة تتفق مع تعاليم ماركس, ولكنه في سنة 1925 غير رأيه فوجد أن ظروف الصين مختلفة تماما, ولذلك قرر أن يرتكز الحزب علي الفلاحين. وتمكنت هذه الفكرة من أسلوبه الثوري. ولذلك فخلال كفاحه الطويل ضد الحكومة الوطنية اعتمد علي الفلاحين في الصين. وظلت هذه فلسفته طول عهده في حكم الصين. وهو في ذلك يختلف عن ستالين, فستالين في روسيا, اعتمد علي التنمية الصناعية. بينما اعتمد ماو علي التنمية الزراعية. ومع ذلك فالتصنيع في عهد ماو قد تقدم بصورة مذهلة . .

ومن الصعب حقا, أ، نعرف بالضبط مكانة أي زعيم سياسي معاصر ولكن لا مانع من أن نقارن بين مكانه ماو وزعماء آخرين. وعلينا أن نتسأل لماذا اخترنا له هذا الموقع من قائمة الخالدين. ان كثير من المؤخرين قد وضعوا ماو أعلي من الزعيم الأمريكي جورج واشنطون, وذلك لأن الإنجازات العظيمة التي حققها ماو لبلاده أعمق وأبعد مدي مما فعل واشنطون.

ومن السهل أن نضع ماو في مكان أعلي من نابليون وهتلر والاسكندر الأكبر وذلك لأن أثره سوف يعيش أطول ويبقي أعظم.

وهناك من يقارن بين ماو ولينين. ولقد حكم ماو فترة أطول وشعبا أكثر عددا من الشعب السوفيتي الذي حكمه لينين. بل إن ماو حكم شعبا أكثر عددا من أي شعب حكمه أي إنسان في التاريخ. . غير أن لينين يسبق ماو في هذا السلم لأنه أعمق أثرا. وأنه لولا لينين ما كان ماو. بل إن لينين هو الذي مهد الطريق للحزب الشيوعي الصيني.

ولكن الرجل الذي تتوازي أعماله مع ماو هو شي هوانج تي. وهو صيني خر. وكلاهما مهندس للتحولات الاجتماعية في الصين. وقد وضعنا شي هوانج تي في مكان أرتفع من ماو لأن التغيرات التي أحدثها ظلت في الصين 22 قرنا.

وان كانت تغيرات ماو أعمق أثرا إلا إننا لا نعرف كم من السنوات سيبقي ماو متسلطا علي الفكر الصيني. أو كم ستبقي الشيوعية . .

ومن اللاحظ أنهم في الصين يحاولون اقتلاع ماو كما اقتلع السوفيت ستالين وخروتشيف .

تسلم الايادي

يعطيك الف عافيه

تقديري واحترامي