ليلة مقتل المطر
نادتني الحياة بصوتها الحزين كي تخبرني عن تلك الليلةً التي كانت موعداًً ظالماً, للقضاءِ على حياةِ كائنٌ ساحرٌ خلوق, دون معرفتَهُ لما سيحدث له في الخفاء, على يد حادثتي الطبيعةِ الرائعتين, الرعد والبرق, ورغم معرفتهما أن ما سيفعلانه سيؤدي للنهايةِ الحزينةِ له, فقد قررا منذ الليلة أنْ يتصالحا ويتوقفا عن القتال, بعد سنين تشهدُ لهما بالقتالِ والحروب المستمرة, وتساءل المطر الحبيب لما قد يفعلان ذلك به وهو صديقهما الوحيد, وثمرة شجارهما الطويل..
لما قررا هذه السنة وهذه الليلة قطفَ هذه الثمرةُ قبل نضوجها, ورميها بعيداً عن الحياة, وهما لم يكونا إلا فارسين مقاتلين, فما الذي غير رأيهما الآن والحياة بأمس الحاجة اليوم لهذا الصديق الرائع لإستمراها وسعادتها, ذلك الكائن الذي يبهرها بصوته الساحر, ورائحته الممتزجة بتراب الأرض والروح, لما قررا حرمانها من ذلك الجمال, وأنْ يقتلا في عملية موت سريعة حبات المطر الندية, في ساحاتِ الغيوم وتحت إيقاع بكاء النجوم, وبعدما كانا انتقام الطبيعة وبكاء السماء, سيصبحا قاتلي الطبيعة وعدويَّ الماء, منذ خططا واتفقا على خيانة المطر واغتياله واغتيال الحياة معه.. وعندما عرفَ المطرُ بذلك قرر الدفاع عن نفسه, وفعل المستحيل ليعيد الخلافات والقتال بينهما, فاتهماه بجريمة التحريض على القتال ورمي الفتن, مما أدى لاحتجازه في قفص الاتهام, لتُسجن معه روعة الأحلام بروعة رؤية المياه, ومنذ تلك الليلة لم تعد ترى الحياةُ إلا أمطار حزينة متفرقة, كانت مختبئة في إحدى البحيرات.. وعندما رأى البرق أن الحزنَ واليأس والجفاف, قد انتشروا على سطح الأرض وبين مختلف الكائنات, قرر أن يعيد النظر في قراره وموضوع مصالحته مع الرعد, والذي نتج عنه هذه الكارثة, وقد عرف لأول مرة في حياته أن الشجار أحياناً قد يكون مفيد, وسبب لاستمرار الحياة وليس القضاء عليها, والذي منه تأتي صانعة الحياة لحياتها, تأتي الماء العذبة, والماء هي الحياة بذاتها, والماء هي رقصة الأمل على نافذة غرفة اليأس, وشعاع ابتسامة الذي يملأ القلب بنور السعادة....
فأحس البرق بالندم القاتل وجعل الرعد يحس بإحساسه ويعيدا النظر بقرارهما, مما أدى ذلك إلى معاودة القتال من جديد, لتعود للمطر حريته, ولتعود الحياة للفرح الذي غرد في كل مكان .... وبعد عدة أيام سمع البرق أخبار غير سارة, أخبار محزنة ومقلقة, عن مصيرحبات المطر التي تساقطت على تلك الحياة وكائناتها, والتي حضنتها الأنهار والأراضي الملوثة بتلوث أيادي هذه الكائنات .... وتذكر تلك الليلة عندما قرر مع الرعد على أذية المطر, وقال ما الفرق بيننا وبينهم! وما الفرق بين التفكير بالقتل وبين تنفيذه؟ ربما فكرنا بقتله ثم تراجعنا عن ذلك لحبنا للحياة وكائناتها البريئة, لكنه الآن يتعرض فعلياً للقتل بيد بعض هذه الكائنات, التي تلوثه بأفكارها المادية والمعنوية, وترمي الملوثات في أماكن سكنه وسيره وتواجده, فمن الخائن بيننا؟ وهل تستحق هذه الكائنات هذه النعمة الغالية, وهي لا تعرف إلا الدعاء والصلاة لتساقطها, ولا تعرف كيف تحافظ عليها من شر التلوث, الذي يأتي منها ويعود إليها وهي لا تشعر, حتى انتهت تلك الليلة المشؤومة بالقضاء على نفسها وبيدها..