لا تقرر أن تكون وحيداً
يحدث أحياناً أن تصحو من نومك دون مخطط محدد ليومك التالي خاصة إذا كنت تقضي عطلة استراحة طال أمد انتظارك لها، وإذ تفتح عينيك فلا يلوح في فضاء عقلك سوى نهار طقس أبيض خال من الخرائط ومحطات البنزين واستراحات الطريق، نهار لا يلوح فيه شيء سواك ووجه صاحبة الفندق ونادلة المقهى الصغير في آخر الساحة وبالكاد جريدة عربية وحيدة تحمد الله أن استطاعت شركة التوزيع الاستدلال على هذا المكان القصي من العالم فأوصلت بضع نسخ لخمسة أشخاص يتحدثون اللغة العربية، ومع ذلك فقد يحدث أن ينقلب كل ذلك بشكل مباغت.
تقرر أن تقضي اليوم في صحبة الفراغ والهدوء، ستقود سيارتك الى قرية مجاورة لتجلس في استرخاء تام بصحبة أناس لا علاقة لك بهم ولا علاقة لهم بك، ينظرون إليك من طرف خفي ويتهامسون، تقول ربما يتهامسون علي وتقول ربما لم يلحظوا حتى وجودي لكنهم يهمسون لأنهم ليسوا مثلنا حين يحدثون جارهم يقررون إسماع الحي كله، في النهاية تقرر أنه لا يعنيك أمر همسهم فأنت قد جئت لتشرب فنجان قهوة نصحك به أحدهم ذات يوم، وفجأة تقرر أن تركب المصعد الكهربائي لتعتلي أعلى قمة جبلية في المنطقة هكذا دون تخطيط، تقوم مسرعاً، تشتري تذكرة المصعد، وتركب محلقاً بين السماء والأرض ممتلئاً بالدهشة لأنك اكتشفت أنك لا تخاف من الأماكن المرتفعة كما أغلب الأصحاب وأفراد العائلة.. تحمد الله وتمضي إلى 2000 متر ارتفاعاً.
تجلس في الأعالي لتشرب قهوة أخرى لا تشعر بنكهتها ولا بضرورتها لكنك طلبتها لأن الجميع فعلوا ذلك، وفجأة يرن جهاز هاتفك، وإذا بك مطالب وبشكل لا مجال لمناقشته أن تتوجه الى مكان يبعد عنك حيث أنت أكثر من 300 كيلو متر، عليك إذن أن تهبط من حيث أنت في المكان وأن تخرج من سكينتك وأن تعيد برمجة دماغك، لتتوجه لمطار عاصمة مجاورة، لأن هناك من جاء من الإمارات وليس بإمكانه أن يصلك الا معك، تقول لا حول ولا قوة الا بالله وتمضي مسرعاً.
في الطريق تصطدم براكب دراجة يحطم جزءاً لا بأس به من سيارتك المؤجرة، فتفكر في التكاليف وتفكر بهذا الشاب الذي كسرت ساقه، وتفكر في تعقيدات الشرطة هنا وفي التأخير الذي سيترتب عليه عدم وصولك للمطار في الوقت المناسب، وفي مشكلة اللغة وجوازك الذي ليس معك وفي.. وفي.. وتقول لو لم أرد على الهاتف لكنت مازلت استمتع بالهدوء والفراغ وبفنجان القهوة الذي لا نكهة له.
تنتهي الحكاية على خير ويقول الشاب إن إصابته بسيطة ولا داعي للشرطة فتتحمل وحدك تكاليف تصليح السيارة لأنك لا تريد أن تتأخر على المطار، وتكمل طريقك فإذا بطابور من السيارات يسد الأفق، هناك حادث فتطيش أعصابك، وتذهب باحثاً عن طريق بديل لأنك لا تريد أن تتأخر على المطار، تتقاذفك الطرقات ولكنك تصل إلى ما قبل المطار بأقل من نصف ساعة، لقد بذلت جهداً خرافياً بالفعل، لكن الذي لم يخطر ببالك أبداً أن يكون الشخص الذي فعلت كل ذلك لأجله قد استأجر سيارة وذهب إليك ووصل الى حيث تسكن وهو يتصل بك ليقول ببرود في أي غرفة تسكن فأنا في الفندق الفلاني.
موضوع: لا تقرر ان تكون وحيدا 
16/7/2011, 12:19
