النشر: السبت 16 يوليو 2011
كنت أعرف زميلاً في العمـل يحب أن يجرّب حظّه في كل شيء اعتماداً على المثل الشعبي الذي يقول: “خرخشة ما فيها خسارة”، والتي قد تعني أن في المحاولة فائدة، وأنك قد تصيب شيئاً إذا حاولت ولن تخسر شيئاً.
فإذا رأى إعلاناً في الجريدة عن حاجة جهة ما لتوظيف خرّيج اقتصاد، بينما هو خرّيج قانون، فإنه يجهّز سيرته الذاتية فوراً ويقول بينما إصبعه يضغط على زر الإرسال: خرخشة ما فيها خسارة، فربما تكون تلك الجهة بصدد إنشاء قسم جديد للشؤون القانونية، فأكون أول شخص على قائمة الترشيحات.
وربما يكون مستشارهم القانوني كثير المشكلات وحين يرون سيرتي الذاتية سيصيبهم الذهول وهم يقولون: يبدو أن السماء بعثت هذا الرجل ليكون بديلاً عن المستشار المزعج. وربما لا يتصل بهم أي خرّيج اقتصاد، فيقول أحدهم: يا جماعة، لم لا نجرّب خرّيج القانون هذا، لعلّه يفهم في الاقتصاد. يا أخي: خرخشة ما فيها خسارة، وكل الذي ستكلفني هذه المحاولة هو نقرة على الزر.
وإذا سمع بأن البنك الفلاني قرر إعفاء عملائه من رسوم معينة، أو تخفيض نسبة الفائدة على القروض، فإنه على الفور يتصل في البنك الذي يتعامل معه، وهو بخلاف البنك صاحب العرض، ويسأل عن الإعفاءات والتخفيضات.
ويدخل في جدال معهم ويفتعل الغضب وهو ينظر إلي ويغمز مبتسماً، فإذا حصل على شيء منهم، أغلق الهاتف وقال وهو يضحك: ألم أقل لك: خرخشة ما فيها خسارة، وإذا لم يحصل على شيء فإنه يحصل على بعض الوعود التي يظل يلاحقها إلى أن يخرج بفائدة منها.
وإذا أعلنت جهة حكومية عن تقديم خدمة أو معونة للمواطنين وفق شروط محددة، كأن يكون راتب المستفيد أقل من عشرة آلاف درهم، فإنه في اليوم التالي يكون أول الواقفين في الطابور.
ولو سألته: يا هذا، إنك غير مستوفِ للشروط، فراتبك أكثر من عشرين ألف، فإنه سيرد وهو يدفع باب الدخول: خرخشة ما فيها خسارة.
وقد يفاجئك بعد ذلك باتصال يقول فيه: لحسن الحظ كانت هناك لجنة للحالات غير المستوفية للشروط، وكنت الوحيد الذي أحيلت أوراقه إلى اللجنة، لأنني الوحيد الذي يعرف أنه لا خسارة في الخرخشة.
وفي الحقيقة كنت معجباً بأداء زميلي هذا وكفاحه المسـتمر على كل الجبهات، وفكّرت في أن “أخرخش” مثله، لكنني سألته عن أصل هذا المثل، فلم يوفّق في إعطائي جواباً مقنعاً على الرغم من أنه “خرخش” معي وحاول، فسألت أحد المعمّرين، فقال إن أصل هذا المثل أن عجوزاً أعمى ضلّ الطريق وتاه في الصحراء. فأبصره رجل كان مع امرأته وحمارته، وسأله عن وجهته، فتصادف أن كانت وجهتاهما واحدة إلى حيث المدينة، فاصطبحه معه.
وعند وصولهم إلى المدينة أخذ العجوز في الصراخ والادعاء على الرجل بأنه غرر بزوجته وأنهما اتفقا عليه وعلى حمارته. وتجمّع الناس غير مصدقين أن العجوز الأعمى يمكن أن يدعي كذباً، لكنهم لم يستطيعوا تكذيب الرجل وزوجته اللذين كانا في غاية الدهشة والتعجّب من ادعاء العجوز.
أُخذوا جميعاً إلى القاضي الذي أمر بحبسهم في زنازين انفرادية حتى الصباح، وَوَضَع عيناً على كل واحد منهم.
في الصباح، ردّ القاضي الرجل إلى زوجته وسلّمه حمارته وأمر بحبس العجوز. فبينما كانت المرأة تبكي طوال الليل وزوجها مثلها يبكي ويدعو الله، كان العجوز الأعمى يضع رجلاً على رجل ويترنم ضاحكاً: خرخشة ما فيها خسارة.. إما مرة وإما حمارة.
وحين عرفت أصل المثل أحسست بأنه من غير اللائق أن أجعله شعاراً لحياتي، فهذه “الخرخشة”، بالطريقة التي يؤديها زميلي، تقلل احترام المرء لذاته، كما أنها تربك الجهات التي تتعرض لها، وتضيق من فرص الأشخاص الذين يستحقون أو المؤهلين، لكنني استفدت من هذا المثل و”خرخشت” واستطعت كتابة هذا المقال.