ليلي الطرابلسية وسقوط الطاغية
شريف عبد العزيز
ليلي الطرابلسي ولدت في أجواء تشبه الأجواء التي نشأت فيها اعتماد الرميكية* مع فارق العصر وظروفه، فأبوها بائع خضار متواضع وله أحد عشر ولدا وبنتا، ليلى تحتل المركز الخامس في ترتيب الأسرة، لم يتسن لها أن تحصل على فرصة تعليم جيدة لضيق ذات اليد، فالتحقت بالعمل في صالون حلاقة حريمي، وكانت نابهة ذكية ذات طلعة بهية، تعرف من أين تؤكل الكتف، فأوقعت في شباك حسنها خليل معاوي رجل أعمال في بدء طريقه وتزوجته، زواج مصلحة لم يصمد سوى ثلاث سنوات، لأنها لم تجد فيه ما يرضي طموحاتها الجامحة، دخلت المعتقل لمخالفتها للقوانين، فنجحت من الخروج منه بفضل جمالها وحسنها ودهائها، وفي تلك الفترة وصلت أخبارها لوزير الداخلية وقتها "زين العابدين بن علي"، فعلق بها وهام بها حباً وأصبحت العلاقة بينهما وثيقة جداً، حتى بعد وصوله لرئاسة البلاد، ولم تطق زوجته الشرعية "نعيمة" أم أولاده الأمر فطلبت الطلاق، وعندها تزوج بن علي "ليلي".
كان الفارق الكبير في السن بين بن علي وليلي (قرابة العشرين سنة) عاملاً فاصلاً في إطلاق يديها في ملعب السياسة والمال والاقتصاد وكل شيء، بعد أن كانت تلعب من قبل في شعور النساء في محلات الحلاقة، واستغلت مكانتها للتدخل في قرارات اتُخذت في القصر ولإملاء تعيينات مقربيها خاصة أخويها: بلحسن وعماد الطرابلسي ومعهما أبناء عائلة آخرون استغلوا القرابة ليجمعوا في جيوبهم الخاصة عشرات الملايين بحسب التقديرات، حتى وصلت ثروة الطرابلسي 3.5 مليار دولار، جمعت بأحط وأخس الوسائل من ابتزاز وسرقة واحتيال واستعمال نفوذ، واتهمت ليلى بأن سلطاتها تفوق سلطات الوزير الأول، حيث كانت تقيل الوزراء وتعين السفراء والمدراء العامين، بل دخلت في صفقات مباشرة مع الصهاينة، وطالت أيدي ليلي وأخواتها كل تونسي بالإيذاء والتنكيل، حتى أصبحت الشخصية المكروهة الأولي في تونس، وكل من تسول له نفسه أن يتعرض لجناب سلطانة قصر قرطاج، لو هازلاً فالسجن وويلاته هو المصير والمستقر، مثلما حدث مع الممثل التونسي احمد بن سعيدي الذي تجرأ قبل سنتين على السخرية من 'السيدة' وحاول أن يقلد أخاها "بلحسن"، نزل بن سعيدي عن خشبة المسرح ووجد رجال شرطة ألقوا به في السجن، ولم يحاكم حتى اندلعت الثورة وأفرج عنه منذ أيام.
ليلى لم تكتف بما جنته وأسرتها من مغانم البلاد، فراحت تحارب الإسلام والفضيلة والحجاب بكل ما أوتيت من قوة، ووقفت خلف قوانين تحريم تعدد الزوجات، ومنع الحجاب في الدوائر الرسمية، وسلبت الأزواج حق الطلاق وجعلته بيد القاضي، وطالبت بالمساواة في الإرث، وحرصت علي تغريب تونس بكل ما أوتيت من قوة، وأعلنت عدائها الصريح لتعاليم الإسلام، وتفننت في التضييق علي المتدينين، فصلاة في المساجد ببطاقات ممغنطة، وحظر للأنشطة الدعوية، وأمور أخرى كثيرة جعلت منها ومن زوجها رمزاً للعتو والطغيان وكراهية الإسلام.
نستطيع أن نقول بكل أمانة وحيادية أن طغيان ليلى وفسادها هي وأسرتها وأقاربها كان السبب الرئيس في انتفاضة الشعب الأبي الذي طفح به الكيل، وقرر أن ينهى هذه المأساة والنكبة التي بليت بها البلاد والعباد، ومن ثم كانت الثورة المباركة التي أطاحت بالطاغية ورفيقته، لتلحق بقافلة النساء الأفاعي اللائي كن سبباً في الإطاحة بأزواجهن مثل اعتماد الرميكية، وإميليدا ماركوس، وإيفا بروان، وغيرهن كثير، ولتثبت الأيام والليالي أن خلف كل طاغية امرأة، ولكن بعبارة أدق خلف كل طاغية هارب من شعبه امرأة.