ما الذى حدث للناس؟ فليفسر لى أحدكم ظاهرة قلة الأدب التى أصبحت منتشرة.. وعلى رأس هذه الظاهرة: الشتائم.. لماذا أصبحت الشتائم أمرا عاديا؟ لماذا أصبحت المصطلحات الخارجة أمرا عاديا؟ لماذا حتى «الهزار» بقلة الأدب أصبح أمرا عاديا؟ أنا تربيت بشكل يعتبر السباب عيبا.. وإن خرج يخرج من الرجال.. وأنا أرفض هذا التمييز ولكن بمعنى عكسى وإيجابى أى مدرسة ترفض الشتيمة للرجال والنساء.. ولكن لنقل «ابلعها»، لا، أستغفر الله أن أدخل إلى جوفى ألفاظاً شبيهة، فلأقل «أمررها» لو أن قائلها رجل.
فالمفروض أن النكات البذيئة مثلا يقولها الرجال للرجال، ولا يجب أن تقال فى حضور النساء، والألفاظ الخارجة أو البذيئة تقلل من احترام الرجل للمرأة التى تتلفظ بها.. يعنى من الآخر، أنا من مدرسة تعتبر الكلمات الخارجة والشتايم قلة أدب.. ولو تمهلت والتمست أعذارا من نوعية: ضغوط الحياة زهقت البشر.. على اعتبار أن فى حياتنا اليومية الآن الكثير من التفاصيل التى تجعل الإنسان يخرج عن وعيه: المواصلات وزحامها، والطرقات المزدحمة دوما، فنحن البلد الوحيد فى العالم تقريبا الذى لا يعرف ساعة ذروة، فكل ساعات اليوم ذروة.. أضف إلى ما سبق البطالة والغلاء والمسؤولين، من النظامين القديم والجديد..
والقديم الذى أصبح يسمى «البائد» ،أما الجديد فليس له ملامح.. حكومة هلامية ضعيفة ومرتعشة.. حكومة اختارت فى كل الأماكن مسؤولين يرتعشون خوفا من تظاهرة فى بهو المكان أو أمام ماسبيرو. وكأن كل هذا لا يكفى.. درجات الحرارة فى ارتفاع وكأنها متآمرة مع الحكومة.. أعرف أن الفقر منتشر.. والجهل أكثر.. ولكن لا أتحدث هنا إلا عن الفئة المتعلمة، فئة شباب النوادى و«فيسبوك» و«تويتر».. الشباب الذى كنا نعتقد أنه لا يجيد إلا التهييس وفوجئنا به يتحرك.. وبدلا من إسقاط نظام أسقط دولة.. نحاول الآن إعادة هيكلتها.. ونتمسك بما تبقى من قواعدها.. هذا الشباب حين يتحدث يتحدث بلغة الشارع..
لا أعمم.. أكرر: لا أعمم.. ولكننى مفاجئة بكم الشتائم والألفاظ الخارجة المستخدمة والمنتشرة على الإنترنت ومواقع الاتصال الاجتماعى.. أفكر فى تعبير «تعليق غير لائق»، وكيف من الممكن استخدامه.. كما يحدث فى تعليقات الأخبار على المواقع الإلكترونية.. جرب وادخل، وسوف تفاجأ بكم التعليقات غير المهذبة بين النساء والرجال والشابات والشبان.. شتائم، شتائم.. وأستغرب، وأتساءل: ألم يعد هناك احتشام؟
وهل الاحتشام مقصور على الملبس؟ أين احتشام اللسان؟ أين العفة؟ العفة لا تكون فقط فى التصرفات، بل يجب على اللسان أن يعف أيضا عن ذكر ما هو خارج أو سيئ. والله تعالى قد تحدث عن هذا الأمر فى القرآن الكريم لمعرفته سبحانه وتعالى بضعف البشر، فقال: «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم» - (سورة النساء)..
والله تعالى يقصد هنا أن مَن ظلم لا يستطيع إلا أن يدعو على من ظلمه.. أنا نفسى أردد: «حسبى الله ونعم الوكيل» على من ظلمنى، ولكن قدرات البشر على كظم الغيظ تختلف وأنا هنا لا أتحدث عمن ظلم.. أتحدث عن بلطجة اللسان الشبيهة ببلطجة الشارع..
ما الفرق بين واحد يرفع مطواة على شخص وواحد يشتم آخر؟ الكثير من التشابه.. و«الموس» يجر مطواة والشتيمة تجر شتيمة ومن دنو إلى تدن أكثر.. وما يحدث دليل على انهيار مجتمعى وأخلاقى.. أليست البلطجة قلة أخلاق؟ وألا تعتبر الشتيمة قلة أدب؟ وألم يقولوا زمان: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا؟» إذن الموضوع كبير وخطير وأمتنا ومجتمعنا فى انهيار.. ويحتاج إلى ما هو أكثر من مسحوق غسيل للألسن.. لأن مساحيق الدنيا لن تنجح فى أن تجعل هذه الألسن أكثر بياضا.