مساؤكم غزّة
دخلت غزّة و ما استطعت منها خروجاً، كلّ المعابر إليها و منها كانت مسدودة. فمن أين تدفّق علينا دمها ؟ و أي معبر سلك الشهداء و الجرحى ليقيموا بيننا ؟
من أجلسهم إلى مائدتنا، فأفقدونا شهيّة الحياة. و فتح لهم في بيوتنا مستشفيات، و برادات لحفظ الموتى، حتى كرهنا فتح براداتنا.ـ
في غزّة كان حلم الناس فقط الموت بشهادة الكاميرا، فالموت بشهادة الكاميرا حياة. لذا راحت إسرائيل تغتال الصحافيين، حتى يتسنّى لها قتل الفلسطينيين مرتين.ـ
كي لا يسقط الشهداء سدًى، كانت غزة تحتاج إلى موت كبير كلّ يوم. تحتاج إلى موت مرعب، إلى مجزرة يليق رقم موتاها بأن يكون افتتاحيّة لنشرة أخبار غربيّة.ـ
فالموت بالتقسيط لا يصلح خبراً عندما يكون موتاً عربيًّا.ـ
تحتاج أن تثبت كلّ مرة أنّها الضحية، فمنذ ستين سنة و إسرائيل تستحوذ حصريًّا على هذا اللقب .ـ
من يحاسب بني صهيون الجالسين فوق القانون، و يقودهم إلى المحاكم ونحن في كرنفال العدالة الدولية .ـ
نكبتنا الحقيقية، أنّنا أنفقنا آلاف المليارات في شراء الأسلحة، و ما استطعنا أن نشتري الاحترام و لا الإنصاف. ـ
الذين ينهبوننا، لا وقت لهم لسماعنا.ـ
المأساة... أنّ صوتنا لا يصل، و لا قضايانا تصل، و لا عدد ضحايانا يدخل في بورصة أرواح البشر. و ما نفع أموالنا إن كنّا ديكة تصيح في حيٍّ لا يسمعها أحد.ـ
إسرائيل محصنة ضدّ الحقيقة. الكلّ وقع في أحضانها عن خوف أو عن تواطؤ، و بإمكاننا هنا و في أيّ بلد عربي أن نقول ما نشاء، لا أحد معنيّ بنا.ـ
فائض الدم العربيّ أجاز للعالم ألّا يحترمنا. نُطالب بكرامة موتانا، الذين لا رقم لهم بالتحديد، لا في العراق و لا في فلسطين.ـ
الكرامة لا تحتاج إلى درس في الحساب بل إلى درس في الحياء.ـ
ذلك الرقم العربي الضائع دوماً، هو الذي صنع مهانتنا بين الأمم.ـ
أمام مآثر القتلة... نطالب بعنفوان القتيل.ـ
تشنّ إسرائيل حرباً من أجل جنديين اثنين فتدمرّ جنوب لبنان عن بكرة أبيه... وتستبيح مليون فلسطينيّ في غزة بحثاً عن إسرائيلي واحد .ـ
ونتفرّج عليها تقتل و تحرق البشر .ـ
تقضي على حياة 6000 شخص بين قتيل و جريح، و تجوّع شعباً كاملاً و تقطع عنه الدواء و الكهرباء، و تسدّ كلّ منافذ الحياة إليه و لا يتحرّك لنا ساكناً.ـ
هل كانت لتفعل هذا لو كانت تدري أنّ على رأس هذه الأمّة رجال سيقفون في وجهها و يخجلون لاحقاً من استقبال مجرميها.ـ
من مذلّة الحمار صنع الحصان مجده. فمن غيرنا صنع مجد إسرائيل وقبّل يدها و قَبِلَ أن يتفاوض مع حذائها.
غزّة المغدور بدمعها، ببحرها، بسمائها، بمائها، المغدور بجراحها، بدمها، بعتمتها، بليلها و نهارها، برغيفها المنتظر، بسيارة إسعافٍ لا تحضر، بأمنية انفتاح مَعْبَر ليس أكثر .ـ
غزّة التي أحببناها عندما ما عاد لها من عيون لترى حُبّنا، و لا كهرباء لتشاهد مظاهراتنا و مهرجاناتنا من أجلها، وبعثنا لها بمساعدات حين أصبح عليها الذهاب تحت النار لإحضارها، وصلّينا لنصرتها بعد أن انهدّت على مصلّيها المساجد.ـ
نعتذر لها و هي في منتصف قافلة الشهداء، لأنّنا لا نملك من أجلها سوى دموع و حياء.ـ
الكلمة التي ألقتها الأديبة أحلام مستغانمي في الجزائر خلال الوقفة التضامنية مع غزة تاريخ 22\ 2\2009.ـ