حلم يطرقُ الأبواب
تأخذني سوريّا من نفسي ..
فيأبى القلمُ أن يخطّ إلا عن ترابها حتّى في المذكّرات !
وتأبى الأوقاتُ أن تملأ بغير أخبارها ، وأسماءِ محافظاتها ..
أنستني سوريّا كل ألّم ، وتصدّرت الحلم الأول والرجاءَ الأول في كلّ قنوت وسجود
بل وإنّ الخيال حتى يأبى إلا أن يُحلّق إلى العيدِ القادم !
نحزمُ أمتعتنـا نحو شام العزّ ، نتخطّى الحدودَ مع مئاتِ العائدين ..
حيطانُ الشّوارع مرسوم عليها " حريّة " وأرجوحة الأطفال التي اصطفّ خلفها الأطفال ، ملونة هي الاخرى بألوان الفرح ..
إلى المصلّى لنصلي صلاة العيد خلف شيخنا العرعور ثم يخطب بصوته الجهوريّ خطبة النصر ،
تلتفّ حوله كل كاميرات الإعلام تحتفلُ هي الأخرى بوصولها تراب سوريا الأبيّة بشبابها وشهدائها وأطفالها ..
نزورُ نواعير حماة ، وبحر اللاذقيّة ، ومروج كسب ، وجبال بلودان ..
يُشيرُ أبي إلى صنم (حافظ الأسد) المحطّم على أبواب حمص ، ويبدأ يقصّ علينا نهاية الظالمين
إنّها ساحةُ العاصي التي طالما حلمتُ أن أكونَ بين أهلها أردّد خلف شعاراتهم وأهتفُ معهم ..
إنها تقيمُ اليوم عرس الانتصار ، كلمة الشّرف للأستاذ عصام العطّار ولشباب "شبكة شام" ..
وأهازيج الوطن بأصواتِ منشدي الثورة ، ويتعالى التّصفيق ، وتتوالى تقاريرُ وكالات الأنباء !
ألتقطُ في المساء صورة تذكاريّة لإخوتي بعد أن صلّوا العشاء في المسجد العمريّ ،
إنه هو الآخر مزيّن بشتى أنواع الزينة ، فخور بما سال في ساحته من دماء ..
سوق الحميديّة يوزع على كل رواده "ملبس" فرحاً بهذا النّصر ..
وجامع الحسن في الميدان لايفتأ عن التكبير ، وكأنّه العيدُ الاول الذي يزورُ أراضي سوريا الحبيبة !..
بيوتُ أمهات الشهداء مزدحمة حاشدة ، تأتيهم التهاني تباعاً تباعاً ، ولي من أم حمزة الخطيب نصيب من السّلام والتوقيع !
أما لاجئو تركيّا ، فإنهم يقيمون في جسر الشغور أمسية العودة ، أمسية عيد الرحيل ..
وفي اليوم الثالث على شاطئ البحر وبامتداد كلّ مدن السّاحل ، مليونيّة الاحتفال بكل أسرى السجون ..
دموع وزغاريد ، وعراضات شاميّة .. فرح أمّ وبكاء أخت ، وشعب فُكّ قيده بعدَ أربعين سنةِ احتلال ..
حلم يطرقُ الأبواب ، بدأت شمسه تخترقُ كلّ جدرانِ الصّمت !
إنه أمل منشود ، وعند الله لاتضيعُ الآمال