نصر الله وعصمة الشيعة
من بديهيات علم التوحيد أن الحكم في هذا الوجود لله وحده، وأن الذي يملك الحق في القول: هذا حلال وهذا حرام، وهذا حق وهذا باطل، وهذا خطأ وهذا صواب، وهذا خير وهذا شر، وهذا معصوم عن الخطأ وهذا غير معصوم هو الله وحده سبحانه، وكل من يدعي امتلاك شيء من ذلك الحق فهو مفتر ظالم.
وقد نازع الله في امتلاك هذا الحق عبر التاريخ طواغيت كثر، وسلم لهم به قطاع من البشر، وقد أخذت منازعة الله في هذا الحق صوراً متعددة واشكالاً كثيرة، بعضها ظاهر وبعضها خفي، ومن هذا النوع الأخير ما قام به منذ فترة ليست بالوجيزة ولا زال زعيم حزب الله حسن نصر الله فقد دأب على تقديم نفسه للرأي العام على أنه هو من يحتكر توزيع ألقاب الأمانة والخيانة والفضيلة والرذيلة والشرف والعمالة، وجعل مقياسه في خلع تلك الألقاب وإصدار تلك الاحكام مناصرة حزبه وسلاح ذلك الحزب، فمن وقف مع سلاح الحزب فهو البطل والمقاوم والشريف والطاهر، ولا عليه بعد ذلك أن يكون مؤمناً أو ملحداً، عدواً لله أو ولياً له، ولا يضره أيضاً أن يكون تاريخه حافلاً بكل أنواع الخيانة والاجرام ،كما هو حال أكثر حلفاء حزب الله حالياً، كما لا يخرجه من النبل والشرف أن يسفك دماء شعبه، وأن ينتهك حرماتهم، وأن يسلط شبيحته على نسائهم وأطفالهم، وأن يقصفهم بالطائرات والدبابات ما دام يقف مع سلاح المقاومة، حتى لم يعد المرء يدري لماذا المقاومة؟ ومن الذي يجب أن يقاوم؟ وهل فعل العدو اليهودي بالعرب والمسلمين عشر ما فعله ويفعله حزب الله وحلفاؤه في إيران والعراق وسوريا ولبنان بالمسلمين، ويبقى الشرف والنبل لمن يناصر سلاح حزب الله حتى لو اعترف بعظمة لسانه أنه الحامي والحافظ والضامن لأمن إسرائيل كما اعترف بذلك رامي مخلوف دون أن يلقى من سيد المقاومة حتى ولو كلمة لوم أو عتب.
وفي هذا السياق يندرج موقف حزب الله وأمينه العام من قضية اغتيال الحريري فهو وأفراد حزبه وحلفاؤه معصومون منزهون قداستهم أعلى من أن يتطرق حتى مجرد الظن والتهمة إليهم أنهم ربما تورطوا بتلك الجريمة.
ولنا أن نسأل: هل من حق غير زعيم حزب الله أن يدعي العصمة له ولكل أتباعه حتى من مجرد الظن والاتهام؟ إذا كان من حق الجميع أن يدعي ذلك فهذا معناه أن الحريري ورفاقه قد انتحر ولم يقتله أحد، وإذا لم يكن من حق غير زعيم حزب الله أن يدعي ذلك أوليس هذا كيلاً بمكيالين، وقياساً بمقياسين؟
لو أن زعيم حزب الله قال: أنا لا أقبل بالمحكمة الدولية في اغتيال الحريري لأنها مسيسة ولأنها إسرائيلية، وسأقوم أنا وحزبي بمحاكمة من يشتبه بهم لكان الكلام مبلوعاً، أما أن يدعي عصمة حزبه فهذا ما لا يقبله عقل ولا نقل، ولم يدعه حتى رسل الله وأنبياؤه عليهم السلام لاتباعهم.
ولعل زعيم حزب الله نسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يحابي أحداً في دين الله وعلى حساب الحق والعدالة حتى إنه قال قولته الشهيرة: وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
المشكلة أننا كنا أمام خرافة عصمة الأئمة فإذا بنا اليوم أمام عصمة طائفة القائلين بعصمة الأئمة وأنصارهم وأحفادهم وذراريهم مما يجعلنا نتذكر معتقدات شعب الله المختار بل حتى ديانة البراهمة الهندية وغيرها ممن يدعون حصولهم على مميزات الهية دون سائر البشر.