في يومٍ قال لي أبي .. أتُحبيني !!؟
فقلت كـ عادتي بـ جفاء : هذا سؤال يُبه ؟؟
فقال : عندما أغادر الى دار الفناء هل ستبكيني !!؟
وقفت وأخفيت عبرتي .. انتزعت الحزن عن وجهي وأسبدلته بوجه بليد : يُبه لآ تجيب هالطاري ماأحبّه ..
فقال لي .. مُشتاق للموت .. وأنتي ستكونين كذلك ..
اتحسبون انه يهذي !!
تصوّر لكم انه انسان بائس يمارس طقوساً تعيسه بإنتظار الموت أن يأتيه ويحملّه على أكفّه !!
أبي .. مُفعم بالحياة رُغم شوقه لـ دار الفناء ..
لم يخفيه امتعاضي من حديثه وحُزني الخَفي ..
حدّثني حينها ..
أجسادنا تُنهك من الجري خلف رغباتنا وحاجاتنا .. تهلكُ تعباً عندما تحمّلها مالاطاقةَ لها بِه ..
ترقُد كثيراً .. تلجأ الى النوم كَي تستعيد نشاطها لـ تحيا من بعد ميتةٍ صُغرى ..
" لهذا نقول : الحمد لله اللذي احيانا بعد ان اماتنا واليه النشور " ..
أجساد متهالكه نُمارس بها أمور معيشتنا ..
أيعقل أن نكون هؤلاء نحن .. فقط !!
لسنا سوى جسد .. يمشي .. ويركع .. و يسجد .. ويأكل .. وينام .. و و و !!!
بل هناك الآخر اللذي يحرّكنا بمشيئه الله ( الرّوح ) ..
أرواحُنا .. الروح هي اللتي عجِز العلم والفكر عن دراسة هذا الأساس في حياة الإنسان ..
أجسادنا .. هياكِل تحرّكها تلك الرُّوح اللي نفخها سُبحانه وتعالى من روحه ولا يعلَمُ سرّها سواهُ ..
قال جلّ وعلا .. ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) ..
حفِظ الله ذلك العِلم و جعلُه سرُّ لم يستطِع احدٌ معرفته .. بغضّ النظر عن بعض الإعتقادات والإستنتاجات الذهنيه لـ بني البشر الضعفاء ..
اجسادُنا هي " ذاتنا " / أرواحُنا هي " مايصنَع لـ ذواتنا قيمتها ".. ويحرّكها بقدره الخالق الجبّار .. نفخها الله فينا من روحه ..
قال ربّ الملكوت الأعلى .. ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ )
والأمر الأهم والجزء الأكثر روعةً فينا هو ( النّفس ) .. وهي الواعيه المدركه المفكّره فينا .. تلك اللتي تصنع مبادئنا وفكرنا ..
سألني ..
لمَ دُعي النوّم .. الموتة الصُغرى .. رُغم انّ الجسد لايزال ينبض بالحياة ويتحرّك .. فالرّوح باقيةٌ فيه لم تغادره ..؟
فـ أجاب هُو :
قال سُبحانه عمّن سواه .. ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
تأملنا الآيةً قليلاً .. الرّوح لم تغادر أجسادنا في منامها .. إذ أن الجسد لايزال ينبِض ويتحرّك كما لو أنّه فاقدٌ وعيه ..
إذاّ حتماً هي ( النفس ) من غادرت .. وفقدان الوعي المؤقت " النوم " .. هو مايبدو لنا في قوله " يرسل الأخرى الى أجلٍ مُسمّى " .. والله اعلم ..
النفس لا تتعب ولا تهرَم وليست بحاجةٍ للراحه .. فـ تخرج من الجسد في كُل مرّة الى عالم شبيه بـ [ دار البرزخ ] الأجلِ المسمّى كما ذُكر في كتاب الله ..
أنفسنا هي من يرشدنا .. و أرواحنا هي من يقودنا .. وأجسادنا هي اللي تُسيّر كما تأمرها النّفس ( أمّارةً بالسوء / أو / أمارةً بالخير )
فـ لنعمل على حثّ ارواحنا على كُل عملٍ يسعدنا ولا يُشقينا بعد حين ..
ربّما تسائنا ..!!
مالهدف من الحياة ان كان مصيرنا الموت ..؟
الموت كلمةٌ لآ ندرك من معناها الا القليل جداً ..
لا تندثر منّا عند الموت سوى تلك الأجساد المتهالكه اللتي تعود لأصل نشأتها " التراب " ..
أمّا الروح التي نُفخت من الله فتعود إلى الملكوت الأعلى .. قال من خضعت لعزّته الصعاب .. ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ )
ولا يتبقى من الإنسان سوى النفس .. التي كانت تشعر وتدرك والتي تنتقل بموت الجسد إلى مرحلة حياة البرزخ وهي المرحلة الوسيطة بين دار الدنيا ودار الآخرة ..
هي مرحلة العلم اليقين والتي لا يُمكن فيها العمل .. اليقين بأن حياة الدنيا ما كانت الإ دارٌ للعمل ..
قال جلّ وعلا في كتابه الكريم .. ( حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )
ذلك البرزخ هو نفس البرزخ اللذي ذُكر عند منام الشّخص ..
* أتعلمون ماللذي فكّرت به .. عندما نلتقي بـ أمواتٍ لهم معزّةٌ علينا ونحن نحلُم .. تكون انفسنا هناك .. علمتُ ان تلك هي دار البرزخ اللتي تحدّث عنها سُبحانه وتعالى ..
ربّما سمحتُ لنفسي ان اتصوّر البرزخ ولو قليلاً ..
بدا لي كـ مساحات شاسعه تجتمع فيها كلّ الأرواح .. فمنها اللي تحلل جسدها وأصبح تراباً ..
ومنها اللتي أُنهك جسدها من ممارسةِ أمور المعيشه فغادرته لـ يرتاحً قليلاً ..
أتعلمون .. بدت لي تلك الأوراح وكأنها مُتباعده عن بعضها .. بعضها ربّما أحس بالوحده .. وبعضها ربّما التقى بـ عزيزٍ عليه .. وبعضها تبحث عن شخصٍ أو تنتظرُه ..
رُبّما إلتقت بعض أرواح الموتى بأرواحنا نحن من لازلنا على قيد الحياة .. لن يكون لقاءً كما نُريد .. لكنّها تلتقي ربّما لـ شوقٍ عارم اجتاحها .. رغم انها علمَت تماماً ان اللقاء الحقيقي يجب إنتظاره .. فـ كان ذلِك اللقاء كـ رتبَه على اكتافنا ..
أذكر لكم قصّة امرأة عابده أحبّها الكُل .. مات ابناؤها السبعه ولم يتبقّ لها سوى إبنتها .. فـ لم تكاد تلك الزهرة اليانعه ان تعيش طويلاً وعانقت روحها السماء قبيل أمها ..
فـ عندما كانت الأّم تحتظر .. رأت العمّة إبنةُ أخيها "في المنام " وهي منتظره .. ومتشوقّه .. ومتلهفه للقاء أمها .. فتقول : اين أمّي تأخرت !! قالوا لي انها قادمه .. مشتاقةٌ لها ياعمّه ..
ولازالت تنتظرها .. فـ لم تدرك العمّة ذلكَ اليَوم إلآ وقد توّفيت زوجةُ اخيها .. وأطمأن قلبها لـ شدّة يقينها انها الآن برفقةِ إبنتها المشتاقةِ اليها ..
بدا لي أن البرزخ حياةٌ جميله نصنعها بـ أعمالنا ..
فـ إن كُنا اشقياء .. سوف نبقى لوحدنا نبحَثُ عن صُحبةٍ تؤنسنا .. فلا نجد سوى " سوء اعمالنا " ..
وإن كُنا أتقياء .. سـ نلتقي بـ من هُم كحالنا .. ومن أحببنا .. ونتذوّق برفقتهم لذّة الإنتظار لـ جزاء أعمالنا وصبرنا ..
ومما تلقّيت و ذُهلت عندما أطلّعت عليه .. أن النّفس لها 4 مراحل .. كلّ مرحله تعيشها على حِده ..
أولّها .. هي مرحله أوجدنا الله فيها جميعنا ..
[مرحلة النشأه ]. مرحله شهِدنا جميعاً ان لا اله الا الله .. لهذا السبب قال نبيّنا ( كل مولود يولد على الفطره ) أتحسبون الفطره أوجدت نفسها بلا أسباب !!
بالطبع لآ .. فالله أشهد أنفسنا جميعاً أن نؤمن به .. قال جلّ جلاله .. ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ )
جلّ الأنفس مؤمنه وتقيّه .. وآمنت بالله منذ أن أوجدها وأنشئها .. إذاذً مانراه الآن من كُفر وطُغيان وتكبّر على الله تعالى عمّن سواه .. ماهو إلا عوامل أثّرت على تلكَ الروح فـ أنستها خالقها وموجدها ..
هذه مرحله الوجود أو ( الإيجاد ) .. بعدها تقف الأنفسُ منتظرةً ان ينادى بإسمها كي تستعد للمرحلةِ الأخرى ..
[ حياة الرّحم ] .. وهي اقصر حياة تمرّ بأنفسنا .. تنفخ فيها الرّوح وينشأ فيها الجسد .. بعدها تنادى النفس وترسل الى هذا الجسد ..
هؤلاء المرحلتان مرّتا علينا حقاً .. ومن رحمة الله انّا لا نستطيع تذكرها ولا اي جزء منها .. فقط يجب علينا أن نسرح بتفكيرنا .. أن ندرك عظمة هذا الخالق ورحمته بنا ..
قال سبحانه وتعالى عمّن سواه .. ( هُوَ الذي خَلقكُم مِن ترَاب ثمَّ مِن نـُطفة ثمَّ مِن عَلقة ثمَّ يُخرجُكم طفلا ) .. تبدو تلكِ المراحل متتاليه جداً بحيثُ لن تستطيع إدراكها إلا عندما تتأملها حقاً .. بتروٍ ..
بقى المرحلة الثالثه ..
[ حياة الأرض ] .. وهي أصعبُ مرحلةٍ قدّ تمرّ على انفسنا .. هي هذه المرحله اللتي نُمتحن فيها .. نُبتلى .. نُرزق .. نفقد .. نحب .. نكره .. جلّ تلك الأمور يكتبها الله لنا ويدعُ لنا حريّه الإختيار .. ان شرّ فـ شر .. وإن خيراً فـ خير ..
ربما خسرنا حقيقةً ان لم نُثمر هذه الحياة بـ أمور تسعدنا بعدها .. الحياة الدُنيا ماهي الا تجارة .. هي الحياة الوحيدة التي ستجعلنا نتذوق فيما بعد بإذن الله طعم السعادة ولذّتها .. حُري بنا ان نثمرها بـ أعمالنا الخيّره ..
تلك المرحله نجمع فيها ثمراتٍ عدّه .. ربّما بعضها لذيذٌ .. وأخرى نادره .. وغيرها ربما كانت باليه جافّه قاسيه ان وضعتها مع ثمارك الجميله .. يصلها شيءٌ من سوء هذه الأخيره ..
الثمار هي أعمالنا .. هي مبادئنا .. هي الأشياء اللتي نسعى للوصول اليها فلنحرص أن تكونَ ثمرةً طيبه إذاً ..
وآخر المراحل هذه .. بعد أن تردّ امانتنا الى ربّ السماء والأرض .. بعد ان تعود أرواحنا الى السماء .. وتتحلل أجسادنا تحت الثرى .. تبقى النّفس بـ مرحلةٍ ماهي الا نتاج اعمالها ..
[ حياة البرزخ ] ..هذهِ هي الحياة اللتي كُنت اجهلها مسبقاً .. حسبتها موحشه .. مظلمه .. معقودةٌ على الإنتظار بشكل بائس ..
لكن الآن علمتُ انها من صُنع اعمالنا .. نستطيع جعلها جميله آنيسةً تملؤها السّعاده والصّبر على تذوّق لذّة ماصنعناه .. والإشتياق للجنّه اللتي عرضُ الفضاء .. حتما سـ نكون واثقين تمام الثّقه من مصيرنا ان كُنا اتقياء ..
هي مرحلةُ إنتظار لـ يوم البعث والحساب والجزاء .. فلنسعى أن تكون مرحلةً جيمله يصعُب علينا مغادرتها ..
طال حديثي بـ [ حياة البرزخ ] حياةُ جميله .. لم نذُقها بعد .. وبأيدينا ان نجمّلها منذ الآن ..
لن أستغرب أن أحداً منكم أعتقد انّي اهذي .. أو ربّا سرَح بي خيالي الى مالايمكن الوصول اليه فـ تكونت هذه الفكره لدَي ..
نفسي ربّما تحثّني ان أبدء بـ تجهيزها لـ تطمئن عندما تنتقل هناك ..
[ حياة البرزخ ]
حياة اعتقدت انها مجرد دهور وعقود من الإنتظار لذلك اليوم العظيم .. يوم البعث ..
حياة كُنت اخاف من إسمها لجهلي .. ولا شيء غير ذلك ..
أتعلمون ..
عندما حدّثني أبي عنها ..
توّقت للذهاب إليها ..
صفاء القلوب والنوايا .. ولا شيء غيره ..
وعندما إنتهى من حديثه أبي قال لي :
أخائفه من الموت يآإبنتي ..؟
فقلت : بَل مُشتاقةٌ له .. جداً ..
فقط أرجو أن أعمل صالحاً لـ يكون برزخي جيملاً .. و أختم حياتي بـ سجده ..
دُمتم بـ رضَى ..
مما راق لي وتمتعت بقراته فااحببت
ان تشاركوني هذه المتعه