العناد عند الأطفال
فالعناد سلوك مشين يهدد الأسرة ويصل بها إلى طريق مسدود، حتى إن العناد عند الكبار عواقبه وخيمة لأنه يعني اتباع الهوى وتصعيد المواقف، وتوسيع رقعة الشر، وتكثير المفاسد، وعدم النظر في العواقب، فإذا تعلم الطفل أو جُبل على شيء من هذا فإنه يسبب إزعاجًا كثيرًا لأهله وأوليائه ومعلميه، وقد يقع من عمر سنتين حتى البلوغ، وكثير من الأمهات تشتكي هذه الشكوى بأن الطفل عنيد، بل شديد العناد، لا يلتزم بتعليمات الأبوين، ولا يمتثل لنظام البيت والتربية، فيصر على ما يفعل وفي أغلب الأحوال إن لم يكن كلها يكون هذا الطفل خاطئًا
والعناد شقيق الكِبْر، وقد قال رسول الله «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر» الحديث صحيح الأدب المفرد
وفيه «الكِبْر بَطَر الحق وغَمْط الناس» أي ظلمهم
لذا وجب تربية الأولاد على عدم العناد حتى لا يشبوا على هذا الخلق المشين
أسباب العناد عند الأطفال
أحيانًا يكون عناد الطفل رد فعل لإصرار الأبوين أحدهما أو كلاهما على أن يفعل الطفل شيئًا لا يرغبه، كأن يطلب منه أبوه عدم ركوب الدراجة حتى يتماثل جرح في رجله للشفاء، أو يمنعه من نزول الشارع لما فيه مِن خلطة سيئة، والطفل يريد الانطلاق غير مدرك للعواقب
أحيانًا يرفض الطفل اللهجة الجافة والأسلوب العنيف، فإذا أتت فرصة لتدليله والتساهل معه، فإنه بدلاله يلجأ إلى الاعتراض عند إرخاء الحبل معه
الميوعة والتدليل وتلبية كل رغبات الطفل دونما تعليم وتوجيه وإرشاد يجعل الطفل عند مواقف الجد والحسم لا يستجيب، بل يعترض ويعاند
تسمية الطفل ووصفه بأنه معاند وحكاية ذلك للآخرين يجعل الطفل يتعرف على العناد شكلاً وموضوعًا ويتمادى فيه، ويتعامل دائمًا على أنه المعاند كما سموه
إظهار الضعف والاستسلام أمام الطفل على أنه لا يقدر أحد على عناده
وجود تفرقة بين الأولاد تجعل الذي يشعر بالغبن والظلم كثير الاعتراض والامتعاض واللجوء إلى العناد
الكذب على الأولاد وعدم الوفاء لهم بالوعود التي أخذها الأب أو الأم على عاتقه بأن ينجزها لهم، وكذلك التدخل المباشر في كل سلوكيات الطفل يكسبه الملل والضجر
التهديد بما لا يستطيع الأبوان تنفيذه يجعل الطفل يفقد الثقة في أي تهديد ووعيد، وبالتالي لا يخاف التهديد بعد ذلك فيعارض ما طلب منه، ويصر على ما يفعل
إحراج الطفل أمام الآخرين يؤثر عليه نفسيًا واجتماعيًا ويجعله كثير التبرم والاحتجاج
الحرمان للطفل من احتياجاته، وتركه للرفقة السيئة، فيتطبع بطباعهم، ويتخلق بأخلاقهم السيئة، فإذا أراد أهله توجيهه رفض السمع والطاعة وأصر على موقفه وعناده
ظهور سلوكيات العناد من الأبوين أمام الأبناء القدوة السيئة ، فيقلدون أهلهم، وأكثر ما يتميز به الأولاد ظاهرة التقليد لأفعال الآخرين
علاج العناد عند الأطفال
نرشد الأبوين أولاً إلى أن الرفق سبيل الوصول إلى الهدف المأمول والرفق مأمور به شرعًا، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»، رواه مسلم وقال رسول الله «والله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه» رواه مسلم
فعلى المربين الترفق مع الأولاد بعيدًا عن الجو المشحون بالعصبية والعنف، ونطمئن الآباء والأمهات إلى أن الطفل ليس مولودًا عدوانيًا، وإنما ولد على الفطرة السوية؛ لقول رسولنا «ما من مولود إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه» رواه البخاري
وتكون هذه السلوكيات حالات عارضة لا يفعلها الطفل بالمفهوم الذي يعرفه الكبار، وإنما تبدو منه عفوية بدون خبث الطوية
الابتعاد عن تمييع الطفل وتدليله بطريقة يريد فيها أن يقضي ما هو قاض، ولا بد من الموازنة بين عدم القسوة عليه، وبين الابتعاد عن تمييعه وتدليله؛ لقوله «ولا يجني والد على ولده» صحيح الجامع
ويقول «علقوا السوط حيث يراه أهل البيت» صحيح الجامع
عدم التدخل المباشر المرهق في كل صغيرة وكبيرة من حياة الطفل، وتجنب كثرة نقده وتوبيخه وإحراجه أمام الآخرين، ويستفاد هنا من غيرة الأطفال بعضهم من بعض، بأن يُمدح أمامه طفل مَّا بأنه يسمع ويطيع لأبويه ولا يخالفهما
وكثير من الآباء يضيق على أولاده، لماذا تجلس هكذا؟ لماذا تمشي هكذا إلخ
تجنب التعدي على ممتلكات الطفل من اللعب والهدايا التي يعتز بها ؛ لأن ذلك يثير كوامن في نفسه ويدفعه إلى العدوان والعناد، والثأر والانتقام
ينبغي أن يكون هناك موازنة بين عدم حرمان الطفل من إشباع غرائزه وطفولته، وبين عدم تلبية كل طلبات الطفل بحيث يصعب بعدها الاعتذار له، فلا تحرم الطفل حرمانًا شديدًا، فإن هذا يكسر نفسه ويحرق سلوكه، ولا تلبِّي كل رغباته، فيصعب المنع عند اللزوم
تعليمهم بالقصص الهادفة التي يفهمون منها الطاعة والامتثال ويستحسن أن يُجرى لهم مسابقة وأسئلة فيما سمعوا، ويكافأ الفائز، والذي يسلك سلوكًا يوافق الفهم الصحيح تزيد مكافأته، وأول ذلك الثناء عليه أمام إخوانه وأقرانه لتشجيعهم واستزادته هو من حسن السلوك
ينبغي أن يكون الآباء قدوة حسنة لأولادهم، فالأب والأم مرآة تنعكس فيها صورة أبنائهم، وقد قالوا
مشى الطاووسُ يومًا باعوجاجٍ
فقلّد شكلَ مشيته بَنُوهُ
فقال عَلام تختالون؟ قالوا
بدأتَ به ونحنُ مقلدوهُ
فخالِفْ سَيْرَكَ المُعْوَجَّ واعدِلْ
فإن عدَّلْتَ نحن مُعدِّلوهُ
أمَا تعرفْ أبانا كلُّ فرعٍ
يُجاري في الخُطَى مَنْ أدَّبُوهُ
وينشأ ناشئ الفتيان مِنَّا
على ما كان عوَّدهُ أبوهُ
المربي الذي يجمع بين الرغبة والرهبة، بين الهيبة والحب يسلم أولاده بإذن الله من السلوكيات المشينة، فينبغي للمربي مع أولاده أن يكون شديدًا حازمًا في غير عنف، وأن يكون سهلاً لينًا في غير ضيق
الصدق مع الأولاد والوفاء بالوعود لهم، إن الأطفال يراقبون سلوك الكبار ويقتدون بهم، فلا يجوز خداعهم بأي حال، فيراعى الصدق معهم في الحديث عند تسليتهم أو إضحاكهم أو سرد قصص وحكايات عليهم، ولا يصلح أن يدخل الكذب في شيء من هذا
عن عبد الله بن عامر قال دعتني أمي، ورسول الله قاعد في بيتنا، فقالت ها، تعال أعطيك، فقال رسول الله «ما أردت أن تعطيه؟» قالت أعطيه تمرًا، فقال لها «أما إنك لو لم تعطيه شيئًا كُتبت عليك كذبة» السلسلة الصحيحة
تجنب التهديد بما لا يقدر على إنفاذه الأبوان لأنه يدرب الطفل على التمرد والعصيان
تجنب إقناع الطفل بأنه معاند حتى لا يتعامل على أنه هكذا
عدم منع الأطفال من اللعب قال العلماء إن منع الطفل من اللعب دائمًا يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش، حتى يطلب الخلاص ويحتال في ذلك، وينفعل ويعاند
وقد كان النبي يسمح لأم المؤمنين باللعب ببناتها وهي عروس في بيته ، وكان يداعب أبا عمير أخا أنس بن مالك حينما مات الطائر الذي كان يلعب به، بل كان الحسين رضي الله عنه وهو صغير له جَرْو كلب صغير يلعب به، ولم يعنف الحسين أو يزجره أو يحرمه، إن توفير اللعبة المفيدة للطفل يرفع عنه الحرمان، ويدخل عليه السرور، ويستجيب لميوله وغرائزه، فيعينه على بر أبويه
الابتعاد عن لوم الطفل وعتابه بصورة كبيرة مملة إن كثرة الملامة تجر الندامة، والإسراف في التوبيخ والتأديب يزيد الطفل في فعل القبيح المعيب، وقد كان رسول الله أبعد الناس عن ذلك، فما كان يكثر العتاب للطفل، واللوم على تصرفاته، وكان بهذا المسلك يغرس في نفس الطفل روح الحياء، وينمي فيه فضيلة الانتباه والملاطفة والارتباط بذلك الخلق العظيم، وقد ظهرت هذه النتيجة والثمرة النضيجة في سلوك أنس رضي الله عنه الذي خدم النبي عشر سنين، حيث يقول «والله ما قال لي رسول الله أف، ولا لِمَ صنعت؟ فإذا لامه أحد من أهل بيت النبي ، قال دعوه فلو قُدِّر أو قُضي أن يكون كان» رواه أحمد، وإسناده صحيح
فينبغي الصبر على الأولاد حتى لا ينبت فيهم العناد، فإذا كان الطفل كبيرًا وقارب البلوغ وكان من طبعه العناد، فلن يصلح معه الشدة والقسوة، وفرع الشجرة إذا تُرك لفترة طويلة مائلاً فإنه يصعب تعديله فجأة وبسرعة، ولكن مع طول الوقت، فلا يصلح مع الطفل الكبير إلا الإقناع والاحتيال ووضع الثقة في الولد وحل مشاكله بلطف والمعاملة بالحكمة، «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا»
وجماع هذا كله اللجوء إلى الله العلي الكبير، الذي بيده الملكوت والمقادير، والتضرع إليه بصلاح النشء والذرية، والله تعالى يقول «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ» النمل ، ويقول «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» غافر ، وينبغي أن يكون الدعاء مصحوبًا باليقين بالإجابة كما قال «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» حسنه الألباني في صحيح الجامع
والحمد لله رب العالمين