الـنـفـس والـروح
في اللغة الدارجة نخلط دائما بين النفس والروح
فنقول إن فلاناً طلعت روحه
وكلها تعبيرات خاطئة
فالتي تخرج من بدن الميت عند الحشرجة والموت هي نفسه وليست روحه
قال تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ... } [آل عمران : 185]
والنفس تذوق الموت ولكن لا تموت
فتذوقها الموت هو رحلة خروجها من البدن
قال تعالى: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) } [الفجر]
أما الروح في القرآن تذكر دائما بدرجة عالية من التقديس والتنزيه
ولا يذكر لها أحوال من عذاب أو هوى أو شهوة
ولا يذكر أنها تذوق الموت
ولا تنسب إلى الإنسان وإنما تأتي دائما منسوبة إلى الله
يقول الله عن مريم: { ... فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } [مريم : 17]
ويقول سبحانه عن آدم: { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر : 29]
يقول روحي ولا يقول روح آدم
فينسب ربنا الروح لنفسه دائما
فالروح دائما تنسب إلى الله
ولا تجري عليها الأحوال الإنسانية ولا الصفات البشرية
ولهذا توصف الروح بأوصاف عالية
أما النفس فهي دائما تنسب إلى صاحبها
يقول تعالى: {... وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ...} [النساء : 79]
وقال تعالى: { مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ ...} [الإسراء : 15]
وقال تعالى: {... وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } [طه : 96]
وحينما تنسب النفس إلى الله فتلك هي الذات الإلهية
قال تعالى: {... وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ... } [آل عمران : 28]
ذلك هو الله ليس كمثله شيء
فالنفس الإلهية هي غيب الغيب
يقول عيسى لربه يوم القيامة: {... تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ...} [المائدة : 116]
فالنفس الإلهية لا تتشابه مع النفس الإنسانية إلا في اللفظ و لكنها شيء آخر
قال تعالى: { ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... } [الشورى : 11]
فحقيقة الإنسان هي نفسه
والذي يولد ويبعث ويحاسب هو نفسه
والذي يمتحن ويبتلى هو نفسه
أما جسده وروحه فهما مجرد مجال حركة بالنسبة للإنسان لإظهار مواهبه وملكاته
والله أعلم
فكما أعطى الله لهذه النفس عضلات (جسدا)
كذلك أعطاها روحا لتحيى
وبهذا المعنى تكون كلمة ((تحضير الأرواح)) كلمة خاطئة
فالأرواح لا تستحضر
لأن الروح نور منسوب إلى الله وحده
وهو ينفخ فينا هذا النور لنستنير به
وهذا النور من الله وإلى الله يعود
ولا يمكن حشره أو استحضاره
وأغلب الظن أن ما يحضر يكون من الجن المصاحب لهذه الأنفس في حياتها (القرناء)
فكل منا له في حياته قرين من الجن يصاحبه
وهو بحكم هذه الصحبة الطويلة يعرف أسراره ويستطيع أن يقلد صوته وإمضاءه
فهذا الجن هو الذي يحضر في غرفة التحضير المظلمة
أما الأرواح فلا يمكن استحضارها
وأيضا الأنفس فلا يحشرها ولا يحضرها إلا ربها
قال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء : 85]