ثمة أخطاء قد تبدو بسيطة تُرتكب في حق الحياة الزوجية، لكن الواقع والتجربة يؤكدان أن تكرار الخطأ الصغير مع الإصرار عليه، يعادلان ارتكاب خطأ كبير، وأن كليهما ربما يؤديان إلى خراب البيوت.
جرت العادة على أن يتم تجاوز الأخطاء الصغيرة التي يرتكبها الزوج أو الزوجية وغض الطرف عنها. لكن الأمر يختلف في حال الإصرار على ارتكاب الخطأ ذاته، سواء أكان ذلك عن قصد وعمد أم لا. فالزوج قد يتشبث بموقفه، والزوجة قد تصر على هفواتها، وإذا لم يمنح أحدهما الآخر مساحات للتراجع وتصفية الأجواء، يتحول الخطأ الصغير إلى جبل من القش يقصم ظهر البعير.
فما تلك الأخطاء البسيطة التي ربما تؤدي إلى وقوع الطلاق؟
عدم تقدير ولا مبالاة
ترصد الاستشارية الأسرية في محكمة دبي وداد لوتاه تغيراً طرأ على الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، مؤكدة أن « أخطاء بسيـــطة وتــــافهة، أصبحت تقف وراء إقدام الأزواج والزوجات على الطلاق من دون النظر إلى اعتبارات العشرة الزوجية ووجود الأولاد، التي لم تعد تشكل عند الكثيرين أمراً ذا بال، يوجب التريث والتأني عند اتخاذ قرار الطلاق ». تضيف لوتاه: « لعل من أهم الأسباب الكامنة وراء الإقدام على قرار الانفصال، ضعف الثقافة الأسرية بين الزوجين، وعدم المعرفة بالحقوق والواجبات، ولكن تبقى هناك أيضاً تلك الأخطاء الصغيرة، التي كان يمكن تجاوزها أو التعامل معها بحكمة ومرونة من جانب كل من الطرفين أو أحدهما ».
وتسوق لوتاه عدداً من التجارب التي اطلعت عليها بحكم طبيعة عملها، حيث تكشف أن « هناك زوجاً طلق زوجته بسبب رفضها أكثر من مرة زيارة أخته، وآخر أصر على طلاق زوجته لأنها تترك الاهتمام ببعض التفاصيل الخاصة بتجهيز ثيابه للخادمة، على الرغم من علمها بأن ذلك يضايقه ». تضيف: « إن الإصرار على الخطأ الصغير وتكراره، يجعلانه كبيراً، وبمضي الوقت تتراكم الأخطاء، حتى تصبح كالجبل المثقل بالهموم، الذي ينوء به كاهل الحياة الزوجية. فليست زيارة الأخت، ولا تجهيز الثياب وراء إصرار هذين الزوجين على الطلاق، إنما الإحساس بعدم التقدير واللامبالاة من جانب الطرف الآخر، هو الذي جعل المشكلة تتفاقم، وتتجاوز حدود الصبر والاحتمال ».
بركان الغضب
تصف جيهان أحمد ( موظفة في إحدى الشركات ) تأثير الأخطاء التي قد تبدو صغيرة، إلا أنها تكبر بفعل الإصرار عليها بالقول: « قد يتصور أحد الطرفين أنه لا يرتكب خطأ يذكر في حق شريك حياته، لكنه يُفاجأ في وقت لاحق بكمٍّ هائل من الانزعاج المخزون لدى الطرف الآخر ينفجر كالبركان. على الرغم من ذلك، لا يحق له أن يلوم إلا نفسه، فلابد أن انفجار بركان الغضب والانفعال سبقته إشارات وتحذيرات لم تجد أُذناً مصغية إلا بعد فوات الأوان ».
أما مدربة الـ « اسكواش » سناء خماش، فتتحدث من منطلق تجربة مرت بسيدة من معارفها، تقول: « لقد كانت حياتها الزوجية تبدو هادئة ومستقرة، حتى علمنا فجأة أنها تطلب الطلاق من زوجها الذي لم نر فيه ما يعيب، ولكن خبر الطلاق لم يكن المفاجأة الوحيدة. إذ كانت هناك مفاجأة أكبر، هي السبب الذي يقف وراء طلبها الطلاق. لقد اعتاد زوجها أن يمازحها مزاحاً ثقيلاً فيه سخرية أمام أهلها، وعلى الرغم من أنها لفتت انتباهه أكثر من مرة إلى أن هذا النوع من المزاح يزعجها، ويسبب لها حرجاً بالغاً أمام أهلها، إلا أنه أصر على مزاحه، موصلاً إياها إلى درجة طلب الطلاق ». ومن واقع تجربتها الشخصية تؤكد خماش أن سفينة حياتها الزوجية التي تبحر منذ ثلاثين عاماً، « لم تعترضها مطبات كهذه ». تتابع: « زواجنا قام منذ البداية على مبدأين مهمين هما: الصراحة والاحترام، ومتى ما صارح الزوجان أحدهما الآخر بالأخطاء التي تصدر عنه عن قصد أو من دون قصد، فعلى الطرف الآخر أن يبادر إلى تجنبها فوراً، مهما بدت له بسيطة أو تافهة، إكراماً للطرف الآخر ومراعاة لحقوقه ».
عناد وسخرية
يَعتبر الطبيب الصيدلاني أسعد سعود ( متزوج منذ عشر سنوات ) أن « العناد، وإصرار الزوجة على تكرار شيء معين لا يحبه الزوج، قد يؤديان إلى هدم البيوت »، كاشفاً أن أحد أصدقائه فاجأه بخبر طلاقه من زوجته؛ « لأنها دائمة الشكوى لأهلها، وعلى الرغم من أنه صرح لها أكثر من مرة بانزعاجه من هذا السلوك، إلا أنها كانت تواجه ذلك بمزيد من العناد، الأمر الذي دفع الرجل إلى طلاقها بعد أن عجز عن تحمل إصرارها على عنادها وشكواها ».
ويؤكد مؤنس سليمان ( موظف في إحدى الشركات ) أنه انفصل عن زوجته منذ عامين تقريباً « بسبب إصرارها على إطلاع والدتها على أمورنا الشخصية ». ويشير إلى أنه « في البداية، أوضحت لزوجتي وجهة نظري بلطف، وبينت لها عدم موافقتي على قيامها بإطلاع والدتها على تفاصيل حياتنا، إلا أنها لم تستجب ». يضيف: « بمرور الوقت، صارت والدتها تتدخل في شؤوننا كافة، وقد أزعجني هذا بشدة، وعبرت لزوجتي بوضوح وبشكل مباشر عن ضيقي بسلوكها ». يتابع: « أنا أعرف أنها لم ترتكب خطأ لا يغتفر، لكني وجدت في تجاهلها وإصرارها على موقفها خطيئة كبرى لا يمكن السكوت عنها فطلقتها ».
إهمال وشكوى
أما ربة البيت الأردنية نسرين عبدالحليم، فتقول: « ربما لا تنتبه المرأة إلى أن أخطاء بسيطة يمكن أن تجر وراءها تداعيات ونتائج وخيمة. فالإهمال أو التقصير في الواجبات المتعلقة بتربية الأبناء، قد يؤدي إلى خراب البيوت وهدمها ». وتلفت إلى أن صديقتها « طُلقت لأنها كانت تمنح عملها أولوية قصوى على حساب أولادها وبيتها، وقد لفت زوجها انتباهها إلى هذا الأمر وعاتبها فيه أكثر من مرة إلا أنها لم تُبد أي تجاوب. حتى فاض كيله وقام بتطليقها، بسبب إصرارها على تجاهل ملاحظات زوجها ».
وحيدة
وتؤكد سعيدة ميسي ( جزائرية، موظفة علاقات عامة في دبي ) أن « ثمة أخطاء أو هفوات يمكن تجاوزها في حال وقعت مرة واحدة، غير أن تكرارها والإصرار عليها يحولانها من هفوة بسيطة إلى جريمة كبيرة، يستحيل معها استمرار العشرة وتهدد استقرار الأسرة بكاملها ». وهي تقدم ما حدث مع صديقة لها كمثال على ذلك، وتقول: « لقد أقدمتْ على طلب الطلاق من زوجها لأنه اعتاد أن يتركها وحيدة في البيت لفترات طويلة. في البداية كانت تلتمس له الأعذار، ولكنها بعد أن عبرت له أكثر من مرة عن انزعاجها على أمل أن يتغير، ولم يزده ذلك إلا إصراراً على قضاء أطول وقت ممكن خارج البيت، تطور الأمر لديها إلى شعور جارف بالإهمال والوحدة أوصلها إلى طلب الطلاق ».
الشفافية
بدورها، تؤكد زهراء البدور ( موظفة ) أن « النواحي المادية لها أيضاً علاقة بوقوع المشاكل ». وتقول: « بحسب تجارب شقيقاتي المتزوجات، يمكنني القول إن الشفافية لازمة بين الزوجين في النواحي كافة بما في ذلك المادية منها ». تضيف البدور موضحة: « صحيح أن الأمر لا يتطلب تقديم كشف حساب مفصل عن التعاملات المالية الخاصة بكل طرف إلى الآخر، لكن تكرار إخفاء تلك المعلومات، وتعمُّد حجبها عن الطرف الآخر، قد يصعب قبولهما والتعايش معهما، لأنهما يفتحان أبواب الشك وعدم الثقة وجميعها تهدد استقرار الأسرة ».
صامت وغامض
« ومن الصمت ما تَسبب في الطلاق ». بهذه العبارة تروي شريفة محمد ( موظفة ) حكاية صديقتها التي طلبت الطلاق من زوجها بسبب صمته، وتقول: « لقد اكتشفت صديقتي منذ الشهر الأول لزواجها أن زوجها لديه شخصية صامته وغامضة، وكانا إذا جلسا معاً حل الصمت ثالثهما ولا شيء سواه، وقد بذلت محاولات كثيرة لاستنطاقه وحثه على الحديث معها، لكنها كانت تفشل دائماً، وعلى الرغم من أنها لم تجد فيه عيباً غير ذلك، إلا أنها لم تتحمل صمته المبالغ فيه وآثرت وضع حد لمعاناتها بطلب الطلاق ».
زوجة نكدية
فــي سياق متصل، يؤكد حسن فهمي ( عمل حر ) أن « أي رجل يحب أن يرى زوجته راضية سعيدة، ولكن، لأن الرجل يتفهم طبيعة المرأة، فهو على استعداد لتحمل نوبات الضجر أو الملل التي قد تصيبها وتتسبب في حرمانها من بشاشة وجهها. أما أن يتحول النكد والخصام والشكوى إلى طقوس متكررة يعيشها مرات ومرات، فهذا قد يفقده أعصابه ويدفعه إلى طلاقها ». وتتفق معه زوجته إنعام حسن ( ربة بيت )، وتقول: « من خلال تجربتي في حياة زوجية بدأت منذ نحو 30 عاماً، فإن الأخطاء الصغيرة يمكن تجاوزها في حال رغب الطرفان في ذلك، ولكن إصرار أحدهما على تكرار الخطأ ذاته، على الرغم من علمه بانزعاج شريك حياته، يجعل الأمر يحتمل تأويلات أخرى كثيرة ليست في مصلحة استقرار الأسرة ».
أسرار
من ناحيتها، تؤكد آمنة محمد ( موظفة في أحد البنوك )، أن إحدى صديقاتها « طلقها زوجها لأنها عجزت عن كفّ لسانها عن نقل أخباره إلى صديقاتها ». وتقول: « كانت تحكي لصديقاتها كل شيء عن زوجها، من دون وعي ولا تمييز، وقد نهاها زوجها عن ذلك أكثر من مرة، إلا أنها لم تتوقف، حتى قام أحد الأشخاص بالإيقاع بينهما، بتقديمه للزوج ما يثبت أن الزوجة غير أمينة على أسراره، فطلقها ».
تكرار وتراكم
كيف تتحول الأخطاء الصغيرة إلى معول يهدم استقرار الحياة الزوجية؟ يبدأ الاستشاري الأسري راشد المنصوري، حديثه عن هذا الأمر بالإشارة إلى أن « هناك أخطاء صغيرة، إلا أنها عندما تتراكم، تتحول مع الزمن إلى أشياء كبيرة، فالحرائق الكبيرة أساسها صغير. والمشكلة أن كلّاً الزوج والزوجة قد لا ينتبه إلى وقع الأخطاء البسيطة على الطرف الآخر، فتكرر وتتراكم، ويصبر ما شاء الله له أن يصبر، حتى يفاجأ الناس بعد سنوات بأن الزوج طلق زوجته، أو بأن الزوجة تطلب الطلاق لأسباب قد تبدو تافهة وغير مقنعة، إلا أنها في حقيقتها تراكمت وعظمت وتجاوزت القدرة على الاحتمال ». ويشير إلى أن « أكبر خطأ هو ترك الملفات مفتوحة. إذ تصدر هفوة أو خطأ بسيط عن أحد الزوجين ولا يتم التعامل معه بشكل سليم ». ويقدم المنصوري مثالاً على ما تقدم به، فيقول: « زوج يدخل بيته ويعتقد أن زوجته سوف تستقبله بالترحاب لأنه عاد من السفر، فيجدها غير مهتمة لأنها تتحدث في التليفون، ويتكرر منها ذلك، فتحدثه نفسه بأن زوجته تغيرت وصارت لا تقدره ولا تهتم به، بينما الزوجة تقول في نفسها، وهي تحدث صديقاتها إن زوجي يقدِّر إني أتحدث في الهاتف، وأنني سوف أقوم باللازم بعد إنهاء المكالمة. وفي اليوم الثاني يتكرر الموقف وهكذا.. حتى تشتعل الأمور، وهنا يبدأ كل منهما في فتح الملفات القديمة ويتهم الآخر. وقد يتكرر هذا السيناريو في كثير من البيوت، مشاكل تبدأ بخطأ بسيط لكنه يتكرر، ثم تصبح المشكلة كبيرة وخارج نطاق السيطرة ». ويؤكد المنصوري أنه « لا توجد مشكلة أكبر من أن تُحل، فكل المشاكل يمكن حلها من خلال الحوار والتفاهم بين الطرفين، بشرط توافر الاستعداد والرغبة الحقيقية في ذلك ».
التفاهم والتسامح
وفي بيان لأهمية التسامح عند التعامل مع الأخطاء البسيطة، تقول المتخصصة النفسية وداد الشاعر إن « أي نجاح في الحياة الزوجية، يعود إلى التفاهم، والتسامح، والاحترام، والبعد عن الأنانية والعناد بين الطرفين ». وهي ترى أن « خطورة ارتكاب الأخطاء البسيطة بين الزوجين، تتمثل في أنها قد تنهي العلاقة الزوجية وتؤدي إلـــى مشاكل ». وتوضح أن « الإصرار على تكرار الخطأ سببه عدم التفاهم بين الطرفين، وهو يعد مؤشراً إلى عدم التوافق والتكيف مع الجو الأسري الذي يعيشان فيه، وقد يكون سلاحاً تدافع به الزوجة عن نفسها أمام قوة الرجل، وعدم قدرتها على المواجهة الصريحة لبعض السلوكيات التي لا تتوافق مع مشاعرها وأحاسيسها، وقد يكون انتقاماً لكرامتها أو نتيجة للبيئة الاجتماعية التي نشأت فيها ».
رصيد طيب ورصيد شرير
أما من منظور الطب النفسي، فيوضح رئيس قسم علم النفس في أكاديمية شرطة دبي، الدكتور محمد رمضان أن « الأخطاء البسيطة ليست سبباً للطلاق، وإنما هناك أسباب أقوى مكنونة داخل النفس البشرية ». يضيف أن: « عدم وجود رصيد طيب مليء بالعطاء، والدفء، والمودة والرحمة، وإنما رصيد كله نكد، وهم، وحزن، وكبرياء، مكنون، مستور في اللاشعور لا يموت، ويظل يعمل جاهداً للحصول على فرصة يفرغ بها طاقة الصبر. وهذه الأشياء تسمي ديناميت الطلاق، وهي التي تحركه. ويأتي الخطأ الصغير لتنفجر معه المشاعر المكبوتة غضباً على غضب. ولذا، فإنه لا وجود للخطأ الصغير الذي يمكن أن يسبب للطلاق، في ظل وجود الحب والقدرة على التفاهم والتفاوض وحل المشكلة ».