[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لا أدري لماذا لم يكن حي بن يقظان محظوظاً كما طرزان وماوكلي وروبنسن كروزو ، صحيح أن أولئك الثلاثة رائعين ، فلقد كُنا نلوذ بسماع أخبارهم ونستمتع بشراء أية سلعة حملت أسمائهم ، إلا أن صديقنا حي بن يقظان ، الإبن الروحي للفيلسوف الأندلسي إبن طفيل ، لم يحظ منّا بأن نعرف إسمه ( على الأقل ) مع أنه أكثر ذكاءً وحكمة وعلماً منهم جميعاً ، فلقد كان فيزيائياً وكيميائياً ورياضياً وطبيباً وفيلسوفاً صوفيّاً .. بل إنه صديقاً للبيئة أيضاً !!
من البيولوجيا إلى الميتافيزيقا !!
تعتبر قصة حي بن يقظان من أعظم وأهم القصص التي كُتبت في العصور الوسطى وقد تُرجمت إلى عدة لغات ، فهي تحمل مُلخصاً لسيرة المعرفة الإنسانية حتى القرن الثاني عشر ميلادي بأسلوب أدبي علمي نادر وفريد ، فحي ذلك الطفل الذي تربى على يد ظبيّة في جزيرة من جزر الهند بدأ حياته بمُراقبة الحيوانات وتعلم أصواتها وإكتساب بعض المهارات التي تضمن له البقاء ثم ينتقل إلى علم الطب والتشريح بعد موت أمه ( الظبية ) حيث قام بتشريح جسدها لمعرفة سبب وفاتها فساقه ذلك إلى دراسة وظائف كل عضو من الأعضاء ، هذه التجربة يسّرت له الارتقاء أكثر وذلك بأنه عندما اكتشف النار ، قام باكتشاف وجود الروح في جسد الغزالة ( حرارة الجسد قبل الموت وبعده ).
وكان كلما اكتشف شيئاً جديداً زاد شوقاً لمعرفة المزيد فأدى به إلى مُراقبة الكواكب والأفلاك مما جعله بارعاً في علم الفيزياء من خلال ملاحظاته فيما يخص الأوزان وحركة الأجسام السماوية ، بعد إكتشافاته " العظيمة " في علوم الطب والبيولوجيا والكيمياء والفيزياء ينتقل إلى الفلسفة والميتافيزيقا ( ما وراء المادة ) ليبدأ البحث عن الموجود الواجب الوجود ( الله ) فيبدأ بالسعي إلى " مُشاهدة " هذا الخالق والإقتراب منه حيث يبدأ بممارسة طقوسه التأمليه في جزيرته المعزولة ، حتى يلتقي بإسال ويبدأ بالتعرف على البشر ويتعلم لغتهم وأطباعهم فينتقل للعيش معهم ، إلا أن ذلك لا يروقه كثيراً ( فقد رأى أن مُعظمهم بمنزلة الحيوان غير الناطق ) ليعود بعد ذلك إلى الجزيرة ليكمل حياته التأملية ، آملاً في المزيد من القرب من الله ، من الموجود الواجب الوجود ، حتى يأتي أمر الله !!
حي .. صديق للبيئة
من " ألذ " العلوم التي برع فيها حي بن يقظان كان علم ( آداب العيش ) والتي تجلى فيها مدى صداقة حي للبيئة ، فلم يكن حي يُقدم على قطف الثمرة التي لم تنضج ، ولم يكن يلقي نواة التمر إلى في مكان يُمكن أن تنبت فيه ولم يكن يتغدى على فاكهة او نبات قد ينقرض ، وليس هذا فحسب بل إنه كان إذا رأى نباتاً خُجب عنه ضوء الشمس يجتهد في إزالة ذلك الحاجب أو إذا رأى حيواناً أو نباتاً يُعاني من العطش يجتهد في إيصال الماء إليه ، لدرجة أنه أصبح " بيطرياً " لكل حيوان يُعاني من عاهة أو مرض ، أما على صعيد نفسه فقد كان يُحفاظ أن يبقى نظيفاً و " مُعطراً " بأنواع الطيب التي يستخلصها من نباتات الجزيرة !
أخيراً لعل أفضل ما يُمكن أن أختتم به مقالتي هو ما كتبه بعض " الفلاسفة " في قصة إبن طفيل كالدكتور عمر فروخ الذي كتب : أن حي بن يقظان إنتقل من أدنى دركات الأجسام الماديّة إلى أرقى درجات الصور الروحانية عن طريق العقل حتى طلب معرفة الله .
ومقولة روبرت باركلي : إن قصة حي بن يقظان هي خلاصة جوهر الصراع بين ( النور الإلهي ) الذي هو الوحي و ( النور الطبيعي ) الذي هو نور العقل البشري المُنبثق من داخل الإنسان ، وكذلك ما قاله أرنست بيكر بأن قصة حي بن يقظان هي أحد المصادر المُحتمة لقصة روبنسن كروزو !!