اخلاقيات جميلة افتقدناها
فى الزمن الجميل كنا نسمع كلمات افتقدناها هذه الأيام كان الرجل يقول إذا طلب شيئا أو استفسر عنه «من فضلك» أو «بعد إذنك» وعند النداء يقرنه بما يفيد التوقير والاحترام مثل «يا أخى» «يا أستاذ» «يا أختى» ولمن يكبره سنا «يا عمى» «يا خالة» وإذا أخطأ يقول «آسف» «سامحنى لم أقصد».
وإذا سألت عن مكان شارع أو بيت تجد من يقوم بتوصيلك وإذا لم يعرف يعاونك فى سؤال الآخرين. وفى وسائل المواصلات نجد الصغير
يترك مكانه للشيخ العجوز والمرأة والمريض.
وكان المنديل القطنى جزءا لا يتجزأ من شخصية الإنسان يستعين به إذا أراد أن يبصق أو بدلاً من البصق فى الشارع والطرقات وكان الاهتمام بالخضرة والورود وغرس الأشجار فى الشوارع والنوافذ وفوق الأسطح باديا والآن صارت الكراكيب وتلال القمامة تملأ كل شبر فى بر بلدنا.
وكنا إلى وقت قريب نستحى أن نمر فى الشارع الذى يسكن فيه مدرس الفصل وإذا رأى أحدا منا
يسأله من أين وإلى أين وإذا ارتاب فى رفيقه أو صحبه تحرى عنه.
ولما تغيرت تلك الجماليات والأخلاق نرمى بالعيب على الزمن وهذا لا يصح:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
لقد هيمن القبح وسادت الهمجية وسيطرت الرعونة فى سلوكياتنا وعلا النفاق والكذب وانتشر سوا لخلق بين الناس وضاعت حرمة الجار وافتقد الأمان وغابت المحبة فى الزمن الجميل هتف الرجل متباهيا.
وأغض طرفى عن جارتى
حتى توارى جارتى مثواها
إذا أردتم ان تشاهدوا ايام الزمن الجميل فتعالوا نصلح من شأننا ليصلح الله أحوالنا.فالجرائم كثرت والسبب في ذلك أن مقومات الوطن المستقر ناقصة إن لم تكن مفقودة، الجريمة متفشية، جريمة القتل جريمة التهتك جريمة التسكع جريمة الإدمان على المخدرات جريمة السرقة جريمة القتل جريمة الضرب جريمة الشتم والسب جرائم السفاح جرائم الضياع كل ذلك تفشى في مجتمعاتنا، لأن مقومات المواطنة لم تتوفر بل ربما غابت بكليتها وبكلها بكل ما يمكن أن يحقق جزءاً منها، غابت عن أرض أوطاننا ولذلك انتشرت الجريمة وانتشرت المفاسد وانتشر الفساد وانتشر الشؤم وانتشر الحقد وانتشرت الضغينة وانتشرت العداوة وانتشرت البغضاء، فهذا يضرب جاره وذاك يقتل زوجته وثالثٌ يقتل قريبه ورابع يسرق معلمه وخامسٌ ينهش في مديريته وسادسٌ يرتكب أشد الفواحش في حق أقرب الناس إليه وهكذا دواليك... وسلوا محاكم العدل وسلوا الأماكن التي تأوي إليها ملفات هذه المشاكل.
منذ فترة علمنا عن منع الحكومة السويسرية ببناء المآذن في سويسرا، بالله عليكم ايها الاخوة أخبرونى ماذا تنفعنا المآذن إذا كان أولئك الذين يقفون تحت المآذن مختلفين فيما بينهم، أتريدون أن تبنوا مئذنة ؟ عجب لهؤلاء المسلمون، أتريدون أن تقوموا ببناء مئذنة وأن تهدّموا إنساناً أمامكم وألا تلتفتوا إلى بناء الإنسان الذي إذا كانَ بنى مئذنة وبنى مسجداً وبنى كعبه، فالذي بنى الكعبة إنسان، أتريدون أن نلتفت إلى بناء المآذن قبل أن نلتفت إلى بناء أنفسنا ؟ أنا لا أقول بأن المآذن ليست مهمة ولكنني أقول إن الأهم من المآذن أنت أيها الإنسان، وهذا الذي يفعل ما يفعل في الغرب إنما من أجل أم يلفتك أنت عن أن تبني نفسك، وإنما هو والله إشغال لك عن أن تتوجه إلى وطنك وإلى أخيك في البناء والنصح الذي يجعل منه إنساناً حراً كريماً فاعلاً عالياً مجيداً صادقاً صدوقاً ساعياً للخير والرحمة والعطاء النافع، فيا إخوتي أتريدون أن نتكلم عن مآذن لا يُسمَحُ لها في أن تبنى في بلاد الغرب وأن نهجر الكلام عن بناء الإنسان هنا حيث الإسلام، الإنسان هنا ضائع، الإنسان هنا أحد رجلين إما أن يكون مجرماً وإما أن يكون مُجرَماً في حقه. فيا إخوتي أتريدون هذا الذي يتحدث عنه الآخرون. عجبت من بعض إخوة لي بيننا يطرحون مواضيع يقولون فيها هنالك حربٌ معلنة على الإسلام، الذي أعلن الحرب على الإسلام هو نحن يا إخوة، أولستَ أنت من يعتدي على جارك ؟ أوليس جارك مسلماً ؟ فأنت تعلن الحرب على المسلمين وعلى الإسلام، أولست أنت من يهمل أولاده ؟ أوليس أولادك مسلمين ؟ فأنت الذي تعلن الحرب على الإسلام. أولست أنت هنا في هذا البلد تقوم بالتخويف لمن حولك وترعب من حولك ؟ أليس من حولك مسلمين ؟ فأنت تعلن الحرب على المسلمين بالتخويف والترعيب، بالإهانة بالإعراض بالعقوق بالفساد بالإفساد بالغش هنا وهناك. يا إخوتي تذكروا وباختصار أن: الوطن المستقر إيمانٌ يفرز أمانة ولقاءٌ على رحمة، والوطن محل العناية حماية ورعاية والمواطنة حصانة. طبقوا هذا فستجدون الوطن في النهاية وطناً رغيداً آمناً مطمئناً وإلا فلن يكون الوطن آمناً مطمئناً بركعتين ظاهريتين وبدعاءٍ يخرج من الفم دون القلب، لن يكون كما تريد بركعتين سريعتين وبدعاءٍ عابرٍ عاجل، الوطن المطمئن يحتاج إلى عملٍ وسعي وجهد مستمر وإلا فلا.
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا من أجل أن نكون دعاةً لبناء الإنسان ولبناء الأوطان وفق ما يرضي الرحمن إن ربنا جليلٌ عظيم.