التصحيح والتجديد في الفكر العربي الاسلامي
- المذهب الشيعي الامامي خاصة-
المسلم – المؤمن - الامامة
آب 2010
داود سلمان الشويلي
-------------------------------------
قال الامام علي بن ابي طالب :
(( لا حكم الا لله ، كلمة حق يراد بها باطل . نعم لا حكم الا لله ،ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة الا لله ، ولكن لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الاجل، ويجمع بها الفيء ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر))
– نهج البلاغة-
-----------------------------------
مقدمة:
في ايام رمضان المباركة لهذا العام ( 1431هـ - 2010م) قدمت قناة المستقلة كعادتها كل عام برنامج (الحوار الصريح بعد التراويح ) من تقديم د. محمد الهاشمي ، بوجود ضيوف عدة على امتداد حلقاته ، بدء من سماحة العلامة السيد علي الامين ، والشيخ حسن الحسيني، ود. سعد الرفيعي ، وتداخل معهم هاتفيا سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد ،وغيره ، ثم استضاف البرنامج الشيخ حامد الربيعي ، وعى الهاتف الدكتور ثامر الميالي من قم ، وكان موضوع الحلقات عن الامامية ،المعتقد الشيعي الامامي الاثني عشري.
وقد لخص احد موقع الانترنيت ما جرى من حوار الحلقات الاولى منه حول ذلك ، وانصبت بعض الردود على هذا الملخص ، وربما على ما جاء في الاصل.
تضمنت الردود ثلاثة مسائل تطرقت اليها الحلقات الاولى من البرنامج ،هي:
- الاولى: عن الامامة.
- الثانية : عن المؤمن والمسلم.
- الثالثة: عن تفسير الايات ، ودلالاتها.
اما من اراد النيل من ضيوف البرنامج فقد حملت الردود – التهمة الجاهزة عند متطرفي الشيعة دون دليل – وهي تهمة العمالة فقط ، دون مناقشة اراءهم المناقشة الهادئة والموضوعية ومقارعة الحجة بالحجة ، والدليل بالدليل.
وإذ اقدم هذه الدراسة/ المناقشة اعتمادا على ما جاء من طرح على موقع ياحسين الالكتروني ، فإنني اقول ان حلقات البرنامج قد تابعتها كافة سوى القليل منها ، وانني إذ اشد على يد المقدم د. محمد الهاشمي، وعلى ايدي سماحة السيد علي الامين وسماحة الامام الشيخ حسين المؤيد لما طرحوه من افكار جديدة دون تعصب اعمى ، ودون قول غير مسؤول ، معتمدين الادلة القرآنية والادلة الحديثية الموثقة ، فإنني اقول اننا بحاجة ماسة الى مثل هذه البرامج التي تقرب بين ابناء الامة الاسلامية في عصرنا الحاضر من خلال طرح المسائل الخلافية ومناقشتها النقاش الهادئ والموضوعي للوصول الى الحقيقة ، والحقيقة ضالة المؤمن ، ومن الله التوفيق والسداد، انه نعم المولى ونعم النصير.
الاربعاء، 25 آب، 2010
***
الامامة
(( الإمامة : قد أنبأناك أن هذا هو الأصل الذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين ، وهو فرق جوهري أصلي ، وما عداه من الفروق فرعية عرضية كالفروق التي تقع بين أئمة الاجتهاد عندهم كالحنفي والشافعي وغيرهما)).
- أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - ص 221-
(( فالإمامة ليس أصلا من أصول دين الإسلام ، وإنما هي أصل لمذهب التشيع ، فمنكرها مسلم إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة ، والمعاد ، ولكنه ليس شيعيا)) .
- محمد جواد مغنية - الشيعة في الميزان - ص 268-
------------------------------------
1 - هناك فرق كبير بين امامة نبي الله ابراهيم – مثلا- وإمامة علي بن ابي طالب وابنائه كما يفهما الشيعة، امامة سياسية - دينية.
(( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)). [البقرة :124 ]
ولم تذكر لنا المصادر ، والقرآن الكريم حتى ، ان ابراهيم تسلم السلطة السياسية ، الإمرة ، الخلافة ، المُلك طيلة حياته ، ولهذا فإن الاستشهاد بهذه الاية للتدليل على امامة الائمة غير صحيح من ناحية الامامة السياسية / الخلافة.
2 – ان الامامة لم تكن من العقائد ، وليست من اصول الدين ،وانما هي مضافة عليهما من الفكر الاسلامي ، انها موضوع من الموضوعات التي ( لا يجب التقليد فيها) .(1)
وقد اختلفت المذاهب والفرق الاسلامية بين ان تكون الامامة عقيدة وبين تكون مقولة جاء بها متكلمي الفرق الاسلامية، وكذلك بين ان تكون لعلي بن ابي طالب بالنص ، او لغيره من قريش بالشورى، وبين ان تكون خاصة بقريش او بالمسلمين كافة.
3 – واذا كان السيد علي الأمين والامام الشيخ حسين المؤيد قد اتفقا على أن "الإمامة" ليست أصلا من أصول الدين كالكثير من رجال الدين الشيعة الذين سبقوهم ، كمحمد جواد مغنية ، و السيد فضل الله ، رحمهم الله، وغيرهما وأن صفة "المؤمن" ليست خاصة بمن يؤمن بها ، او كما يقول الشيخ كاشف الغطاء: ((فمن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عند هم مؤمن بالمعنى الأخص ، وإذا اقتصر على تلك الأركان الأربعة فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم ، تترتب عليه جميع أحكام الاسلام ، من حرمة دمه ، وماله ، وعرضه ، ووجوب حفظه ، وحرمة غيبته ، وغير ذلك ، لا أنه بعدم الاعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مسلما ( معاذ الله ) .)) (2).
وكذلك قول الدكتور سعد الرفيعي بعدم اعتقاده بما جاء في مركز الأبحاث العقائدية للسيد علي السيستاني عن هذا الموضوع ، إذ كفر – المركز - بإجابته عمن سأله حول من لم يعتقد بها ، قال انه كافر مخلد في النار، وهذ القول يتناقض وقول مغنية وغيره ، فضلا عن انه من غيبيات الله سبحانه.
4 - و ايضا ،وردت اراء كثيرة عن فقهاء وعلماء دين امامية تنفي موضوعة الامامة من ان تكون اصلا من اصل الدين، كرأي السيد محمد باقر الصدر (الذي ذكره السيد الامين) ، وفحواه : ( أن إمامة أهل البيت لم تبلغ في وضوحها درجة الضرورة).
ويجب الانتباه الى لفظة الضرورة ، ووضع اكثر من خط احمر تحتها.
5 - وقال الشيخ حامد الربيعي الباحث الجعفري ، في حلقات البرنامج المتأخرة عن فتوى مركز الأبحاث العقائدية : ان هذه الفتوى مخالفة بشكل واضح مع القرآن الكريم ويطلب من السيد السيستاني بالرد عليها والبراءة منها ، كما طالب السيد الامين بالمطالبة نفسها.
6 - ولما كان البحث في الفكرالاسلامي ، بصورةعلمية وموضوعية ، يطالبنا – ذلك البحث - عندما نختلف في الاراء عن مسألة ما ، ان نحتكم الى صريح القرآن الكريم والرسول (ص)، كما طالبنا الله سبحانه:
*((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)). [النساء:59]
فيجب ان نعود الى دستور الاسلام ، كلام الله في ذلك.
7 - اما بالنسبة لخطبة غدير خم، فتختلف المصادر في ايراد نصها (3)، فمنها من تذكر ان الرسول (ص) عنى فيها على ما ينص على الولاية السياسية (الخلافة) للامام علي بن ابي طالب ،ومنها ما تذكر كلاماغير ذلك، ومنها ما يفهم ان معنى الولاية هو الصحبة والنصرة ،خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الجملة التي جاءت بعد جملة (اللهم وال من والاه) هي جملة (عاد من عاداه) ، ومنها ما تذكر انه لم يذكر ان معنى الثقل الثاني هو العترة، وانما ذكر ان الرسول قد قال ثلاث مرات : اهل بيتي، وهنا تدخل نساؤه بهذا المعنى اعتمادا على معنى اهل البيت التي وردت في القرآن الكريم بشمول الزوجة ، ومنهم من قال ان تعبير اهل بيتي يشمل اعمام النبي (ص) من ال العباس وال عقيل الذين لا تجيز عليهم الصدقة .
والولي كما جاء في ( الفروق اللغوية - أبو هلال العسكري - ص 577 – 579) :
(( الفرق بين الولي والمولى :
أن الولي يجري في الصفة على المعان والمعين تقول الله ولي المؤمنين أي معينهم ، والمؤمن ولي الله أي المعان بنصر الله عز وجل ، ويقال أيضا المؤمن ولي الله والمراد أنه ناصر لأوليائه ودينه ، ويجوز أن يقال الله ولي المؤمنين بمعنى أنه يلي حفظهم وكلاءتهم كولي الطفل المتولي شأنه ، ويكون الولي على وجوه منها ولي المسلم الذي يلزمه القيام بحقه إذا احتاج إليه ، ومنها الولي الحليف المعاقد ، ومنها ولي المرأة القائم بأمرها ، ومنها ولي المقتول الذي هو أحق بالمطالبة بدمه . وأصل الولي جعل الثاني بعد الأول من غير فصل من قولهم هذا يلي ذاك وليا وولاه الله كأنه يلي أمره ولم يكله إلى غيره ، وولاه أمره وكله إليه كأنه جعله بيده وتولى أمر نفسه قام به من غير وسيطة وولي عنه خلاف والى إليه ووالى بين رميتين جعل إحداهما تلي الأخرى والأولى هو الذي الحكمة إليه أدعى ، ويجوز أن يقال معنى الولي أنه يحب الخير لوليه كما أن معنى العدو أنه يريد الضرر لعدوه . والمولى على وجوه هو السيد والمملوك والحليف وابن العم والأولى بالشئ والصاحب ومنه قول الشاعر :
ولست بمولى سوأة أدعى لها * فإن لسوآت الأمور مواليا
أي صاحب سوأة ، وتقول الله مولى المؤمنين بمعنى أنه معينهم ولا يقال إنهم مواليه بمعنى أنهم معينوا أوليائه كما تقول إنهم أولياؤه بهذا المعنى .
الفرق بين الولي والنصير :
أن الولاية قد تكون بإخلاص المودة ، والنصر تكون بالمعونة والتقوية وقد لا تمكن النصرة مع حصول الولاية فالفرق بينهما بين )).
ولو عدنا الى لفظة الولي ومشتقاتها في القرآن الكريم، وقد اشبعت نقاشا ، لرأينا انها تؤكد على انه لا ولي لأي مسلم غير الله ،خاصة ان الاية 74 من سورة التوبة تؤكد ان البشر على الارض لا ولي لهم سوى الله ، ويقول سبحانه في سورة محمد الاية 11: (( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم )).
وهنا تأتي مولى بمعنى النصرة، بقرينة الاية التي سبقتها والاية التي جاءت بعدها.
ويقول في السور الاخرى :
- (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)).[ بقرة: 120 ]
- (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)).[ بقرة: 257 ]
- (( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي شفيع لعلهم يتقون )).[ انعام: 51 ]
- (( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون)).[ انعام: 70 ]
- (( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الارض من ولي ولا نصير)). [ توبة 74 ]
- (( إن الله له ملك السماوات والارض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير)). [ توبة: 116 ]
- (( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولاواق)). [ رعد: 37 ]
- (( وما أنتم بمعجزين في الارض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير )). [ العنكبوت: 22 ]
- (( الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون)). [ سجدة: 4 ]
- (( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير * أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شئ قدير)). [ شورى:8 - 9 ]
- (( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد)).[ شورى: 28 ]
- (( وما أنتم بمعجزين في الارض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير)).[ شورى 31 ]
- (( ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل )). [ شورى: 44 ]
- (( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)). [ تحريم: 4 ]
وهو خطاب موجه الى بعض زوجات النبي (ص) فهل يمكن ان يكون جبريل وصالح المؤمنين والملائكة اوصياء للرسول مع الله؟ انما تعني انهم ناصروه.
وقد جاءت لفظة (ظهيرا) تسكت لسان من قال ان الولي هو الخليفة والحاكم السياسي.
اما الآيات التي ذكرت في سورة المائدة فأنها تؤكد على ان المؤمنين جميعا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون هم الاولياء ،وانا هنا ارى غير ما يراه البعض من المفسرين في ان المقصود بالراكعين، هم الذين يعطون الزكاة اثناء الصلاة ، لاسباب:
- ان مثل هذا العمل هو خروج عن صلاة الرجل المؤمن علي بن ابي طالب ، الواقف في الحضرة الالهية ، انها صلاة الخشوع والتعبدد الصافي .
- ان الزكاة لا تعطى بشكل كيفي ، وانما تعطى سنويا وبحساب معروف ، واذا قيل ان فعل الامام جاء من باب الصدقة ، فهذا القول مخالفا لصريح الاية .
اذن فمعنى الاية ، ان من يعطي الزكاة عليه ان يكون خاشعا – راكعا - لتنفيذ واجب الهي ، وان تردف الزكاة بالصلاة ، أي بالدعاء والحمد والشكر.(4)
- (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )). [ مائدة 56 ]
اذن لا ولي الا الله والرسول والذين امنوا ، فلا يصدق ان الرسول (ص) قد ذكر في كلمته السابقة - حسب المصادر الشيعية- ان عليا مولا للمسلمين ، أي بمعنى وصيا عليهم ،ولو كان ذلك صحيحا فأن المعنى الذي كان يقصده الرسول غير معنى الولاية = الخلافة ، أي ربما يكون بمعنى الصحبة والمؤاخاة والحب، خاصة ان الامام علي لم يذكر في حياته ما يؤكد هذه الوصية، وهذا الكتاب الجامع لخطبه (نهج البلاغة) وغيره من المصادر لاتذكر مرة واحدة ان الامام علي بن ابي طالب قد ذكر تلك الوصية، ،حتى في محاججته للخلفاء الذين سبقوه لم يذكر ذلك ، ولمعاوية قبل معركة صفين، فضلا عن محاججة السيدة فاطمة للخليفة ابي بكر عن ارث والدها في فدك لم تذكر ذلك ولم يمض سوى زمن قصير جدا على موت النبي ، اما القصة الاسطورية التي تذكرها بعض المصادر بان الامام علي سأل بعض الصحابة عن تلك الوصية ،وانهم اجابوا بالايجاب سوى صحابي واحد اجاب بالنفي او بجواب اخر يفهم منه انه نسى الخطبة تلك ،وان الامام علي قد دعى الله عليه ،وان الله حقق ذلك الدعاء ،فهي امر لا يمكن تصديقة من قبل أي عاقل (5) . يضاف الى ذلك امتناع علي عن قبول البيعة بعد مقتل عثمان اكثر من مرة حتى اضطره المسلمون على قبولها ، كما ذكر في خطبة له في (نهج البلاغة ج 2 - ص 222 ) : ((وبسطتم يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت النعل وسقطت الرداء ووطئ الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب )) .
وبذلك، فأن عليا بسكوته عن تلك الوصية قد خالف نص الرسول(ص) الذي هو وحي من الله ،وحاشاه من ذلك ،على الرغم من ان المصادر الشيعية تذكر ان الدافع في امتناع علي عن المطالبة في تنفيذ امر الله هو وحدة المسلمين (!) وهذا امر عجيب في ان يمتنع علي بن ابي طالب عن تطبيق امر الله في سبيل قضية دنيوية ، والذي يجب ان يحصل هو العكس ، كما فعل في محاولته لتنحية معاوية عن ولاية الشام بعد توليه الخلافة، وقولته المشهورة عن ذلك ( وذلك عند ما أشار عليه أن يكتب لابن طلحة بولاية البصرة ولابن الزبير بولاية الكوفة ولمعاوية بإقراره في ولاية الشام حتى تسكن القلوب وتتم بيعة الناس وتلقى الخلافة بوانيها ، فقال أمير المؤمنين لا أفسد ديني بدنيا غيري )). (6)
لماذا لايقول هذا القول ذلك عندما بويع ابو بكر بالخلافة ، وكان الاسلام وقتها قريب عهد بالوحي ، وكان عليه ان يحاجج المسلمين بأنهم لا فرق بينهم وبين اصحاب الردة ، فالاثنان سواسية في الردة ؟
ام كان عليه ان ينتظر سنوات لكي يتقوى معاوية، ويمتلك شبه دولة ليقول هذا القول ؟
فضلا عن ذلك لايوجد في احاديث الائمة الموثوقة وغير المرسلة خاصة - التي وصل بعضها الينا - ، ما يشير الى تلك الوصية ،وعدم وجود وصية موثقة توثيقا صحيحا في كتب الشيعة بتسليم الامامة من امام الى الذي يليه .
فالخليفة الراشد علي بن ابي طالب لم يوص لابنه الحسن ، وانما قال لاصحابه عندما استشاروه أنه سيترك الامر لهم (راجع نهج البلاغة) ، وكذلك يمكن القول نفسه لاغلب الائمة، ابتداء من الحسين الذي لم يوص لابنه المريض علي السجاد، وانما كانت وصيته الى اخته زينب لتحافظ على الاطفال والنساء في واقعة الطف.
و كذلك ، لم يذكر في رسالته الى من كتبوا له من الكوفين ان امامته لهم هي حق منصوص من الله .
يقول في الرسالة : (( من حسين بن علي إلى الملاء من المؤمنين والمسلمين : أما بعد فان هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم : انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق .
وقد بعثت اليكم أخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي ، وأمرته ان يكتب الي بحالكم وأمركم ورأيكم ، فان كتب الي أنه قد أجمع رأى ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم علي مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا ان شاء الله ، فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب والاخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله والسلام )).(7)
فكل الرسائل والخطب والكلمات التي جاءت عن لسان الحسين كما ذكرت في مقتله برواية ابي مخنف المعتمدة ، لم تشر الى الوصية الالهية .
ومن اطرف ما قرأت حول هذه المسألة في مصادر الشيعة ، هو الاحتكام الى الخرافات في تثبيت الامام ، وليس النص كما يزعمون .
فيذكر صاحب الكافي : (( جاءت اليه أمرأه من شيعة علي والحسن والحسين ، وقد بلغت من العمر عتيا، فقالت: أتيت علي بن الحسين عليهما السلام وقد بلغ بي العمر الكبر الى أن أرعشت وأنا أعد يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته راكعا وساجدا أو مشغولا بالعبادة فيئست من الدلاله فأومأ الي بالسبابة فعاد الى شبابي ...الخ )) .(8)
ويذكر كذلك : (( لما قتل الحسين ارسل محمد بن الحنفية الى علي بن الحسين وقال له: قتل ابوك رضي الله عنه وصلى على روحه ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك ، وولادتي من علي عليه السلام ، في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك ، فلا تنازعني في الوصية ولا الامامة ولاتحاجني .... فرد عليه علي بن الحسين ـ أنطلق بنا الى الحجر الأسود حتى نتحاكم عليه ونسأله عن ذلك ، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود ، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: أبدأ أنت فابتهل الى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر ، ثم سل فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ، ثم دعا الحجر فلم يجبه .... ثم دعاالله علي بن الحسين عليهما السلام .... فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين ، فقال: اللهم ان الوصية والامامة الى علي بن الحسين ...)) .(9)
ونقلوا عن موسى بن جعفر أنه لما حصل خلاف بينه وبين أخيه عبد الله ــ وكان أكبر ولد جعفر ــ خلاف بالامامة: (( أمر موسى بجمع حطب في وسط الدار وأرسل الى أخيه عبدالله يسأله أن يصير اليه ، فلما صار اليه ومع موسى جماعة من الامامية ، فلما جلس موسى أمر بطرح النار في الحطب فاحترق و لا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كله جمرا ً ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار و أقبل يحدث الناس ساعة ثم قام فنفض ثوبه ورجع الى المجلس ، فقال لأخيه عبد الله : إن كنت تزعم أنك الامام بعد أبيك فأجلس في ذلك المجلس ...)) .(10)
وذكر الكليني في الكافي قصه أخرى لاثبات امامة موسى بن جعفر( بأن شخصا جاء الى موسى بن جعفر فسأله عن الامام من هو؟
(( فقال: ان أخبرتك تقبل ؟
قال: بلى جعلت فداك.
قال: أنا هو.
قال: فشئ أستدل به .
قال: أذهب الى تلك الشجرة ـ وأشار بيده الى أم غيلان ـ فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : اقبلي
قال: فأتيتها فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه ، ثم أشار اليها فرجعت)). (11)
وقد أثبتت أمامه محمد بن علي الرضا في القصة التالية التي يذكرها الكافي : ((أنه جاء اليه شخص فقال : والله اني أريد أن أسألك مسأله واني والله لأ ستحي من ذلك فقال لي: أنا أخبرك قبل أن تسألني ، تسألني عن الامام ؟ فقلت: هو والله هذا فقال: أنا هو فقلت : علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت و قالت: إن مولاي امام هذا الزمان وهو الحجة ... الخ )).(12)
اليست هذه خرافات واساطير ما انزل الله بها من سلطان ؟
اما صريح القرآن الكريم ، فليس فيه آية واحدة تنص على الولاية بالنص ، او انها من اصول الدين والاعتقاد.
بل جاءت ايات تؤكد على الشورى.
ويجمل العلامة السيد علي الامين رأي بعض العلماء حول الولاية ، ان كانت دينية او سياسية ، فيقول:
(( ان الاصل في الفقه السياسي الشيعي انه لا ولاية لاحد على احد الا من خلال تعاقد ينشأ عن التوافق والتراضي بين الافراد والجماعات ، على صيغة من صيغ الحكم والادارة ، وهذا الاصل الاولي يدحض لوحده ما شاع في العقود الاخيرة من نظريات حول ولاية الفقيه، او الولاية السياسية العامة للفقيه .يؤكد السيد الامين على خطى اساتذة الفقه الكبار من الشيخ الانصاري الى الميرزا النائيني ،ومن السيد موسى الصدر الى الشيخ محمد مهدي شمس الدين ان المقصود بالولاية في زمن غيبة المعصوم (النبي او الامام ) هو ولاية الحاكم (والحاكم بمصطلح الفقه هو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ) على من لا ولاية له، وليس الحاكمية السياسية )).(13)