الذكاء العاطفى ليس موهبة أو (هبة ربانية)، ولكنه تدريب وفهم واستيعاب.
قد تكونين موهوبة فى الذكاء العقلى، ولكن إن لم تتمتعى بالذكاء الوجدانى والعاطفى فلا أهمية ولا قيمة لهذا الذكاء العقلى حتى وإن كنتِ (عبقرية)..
الدراسات تؤكد أن درجة النجاح والتطور الشخصى فى تنمية القدرات والشخصية تعتمد على 08٪ من الذكاء العاطفى، و02٪ على الذكاء العقلى.. إذن نجاحك فى الحياة وتألقك يعتمد على ذكائك العاطفى.
ويبقى السؤال: كيف تكونين ذكية عاطفيا؟!
وكيف تدربين نفسك على هذا الذكاء ؟!
قالت لى نهاد (72) سنة: "مشكلتى هى أننى لا أجيد التعبير عن نفسى مما يجعلنى فى نظر الكثيرين "شخص كتوم وعصبى وسريعة الغضب".
وللأسف هذا السلوك يجعلنى أخسر.. أخسر بعض الأصدقاء أخسر زملاء فى العمل.. أخسر علاقة مريحة مع ذاتى، فأنا فى حالة قلق دائم ولا أعرف كيف أتعامل مع هذا السلوك.
رغم أننى ناجحة أو بمعنى أدق متفوقة فى عملى، وأعشق الدراسة، وكثيرا ما ألتحق بدورات تدريبية لتحسين اللغة أو لتحسين مهارة إضافية فى عملى، إلا أننى مازلت أشعر أننى وحيدة.. فهل أعد من الشخصيات غير الذكية عاطفيا؟!"
الأهم من توصيف أنفسنا: (أنا ذكية عاطفيا أو غير ذكية، دعنا نركز على أنفسنا بشكل إيجابى ونتساءل: كيف نحسن سلوكنا وأداءنا، كيف نكتشف عيوبنا ونصلحها، ذلك هو الذكاء.
علينا أن نقيم درجة علاقتنا بالآخرين ونقيمها تقييما متوازنا كما فعلت نهاد وهذه خطوة إيجابية ورائعة..
فمن الخطر أن نعتبر أنفسنا.. ملائكة - بدون أخطاء، والأخطر ألا نفهم أنفسنا ولا ندرك ما هى عيوبنا، بل نعتبر أن المشكلة تكمن فى الآخرين وليست فينا.
سعدت جدا بفتاة فشلت فى مشروع زواجها وتم فسخ الخطبة بعد أن دامت ثلاث سنوات، وقد أعجبنى ذكاء الفتاة وسعة أفقها ونضجها وهى تقول: "فشل أى علاقة يكون بسبب الطرفين، وأعترف أننى أخطأت فى بعض تفاصيل العلاقة". ولم تعف نفسها من المسئولية، ولم تلعب دور الضحية التى تنسب أى خطأ وأى فشل إلى الطرف الآخر.
الذكاء العاطفى.. هو أن تكون لديك القدرة على فهم واستيعاب الآخرين، وأن تكون لديك موهبة التواصل مع الآخرين، وألا تكون علاقتك بهم قائمة على الذاتية إنما على المشاركة، حيث ينصح خبراء تنمية المهارات الشخصية والإنسانية بأن بناء أى علاقة بشكل صحى يعتمد على مشاركة الآخر لاهتماماته ولأفكاره، فإذا قابلت صديقة ما عليك إلاّ أن تلعبى دور المستمع والمشارك لأفكارها، لا أن تكتفى بالحديث عن نفسك وعن مشاكلك فحسب.
من المهم أيضا.. أن تحترمى الآخر، وتحترمى أفكاره، فإذا تواجدت فى مكان تختلفين فيه برأيك عن الآخرين، عليك أن تختارى الطريقة التى تعبرين بها عن اختلافك.. فلا تكونى عنيفة أو حادة فى التعبير عن آرائك أو فى محاولتك لإقناع الآخر بفكرة مغايرة.
وقد قرأت بعضاً من النصائح التى كتبها الدكتور ياسر العيتى مؤلف كتاب (الذكاء العاطفى).. كما أنه مهتم بعلوم التفكير والإبداع والتنمية الذاتية والإدارية والدراسات الإنسانية..
ومن هذه النصائح أن تكون لديك القدرة على التعامل الإيجابى مع النفس ومع الآخرين. كما أن شعورك بالسعادة وتحقيقك لها - وكما ذكرت - لا يتوقف على مدى تقدمك فى العمل أو نجاحك فى الدراسة فحسب أو حصولك على شهادات ومؤهلات علمية كثيرة، ولكن الأهم أن تكونى قادرة على تطوير ذكائك العاطفى (e.q).
وهنا نعود لسؤال نهاد الذى ذكرته فى البداية.. هل بإمكانى كفتاة تطوير ذكائى العاطفى؟!
لقد سئل الدكتور ياسر العيتى هذا السؤال وأجاب فى كتابه قائلا:
هناك وسيلة وتكنيك لتطوير هامش الذكاء العاطفى، لأنه ببساطة يعتمد على إعمال واستخدام الذكاء فى العاطفة.
فقدرتك على التحكم فى مشاعرك الغاضبة - التى وصفت نفسك بها - هو نوع من الذكاء العاطفى.
قدرتك على تقبل الآخر، وتقبل الرأى المعارض هو نوع من الذكاء العاطفى.. أن تكونى قادرة على انتقاد ذاتك والاعتراف بأخطائك هو ذكاء عاطفى. أن تكونى قادرة على التحلى بالهدوء عند الاختلاف مع الآخر.. هذا ذكاء عاطفى.. قدرتك على الخلاف البناء الذى يهدف إلى فهم الطرف الآخر - لا محاربته- أو اتهامه - فهذا هو الذكاء العاطفى، أن نركز على ما هو (الصواب) وليس التركيز على من منا هو (الصح).. الذكاء العاطفى وسيلة للنجاح فى العمل، فإذا كنت ذكية اجتماعيا وعاطفيا تستطيعين أن تنمى روح الجماعة، فالذكاء ينمى روح الفريق، ومن ثم يجعلنا أكثر مرونة وقدرة على التعاون والمشاركة الجماعية.
وكما سألتنى نهاد.. كيف أحكم على شخص أنه ذكى عاطفيا أو غبى عاطفيا ؟!
رغم اعتراضى على وصف (غبى عاطفيا) - إلا أنه بالفعل هناك مواصفات للذكى عاطفيا كما ذكر بعضها د. ياسر العيتى.
أولا: أن تكونى إنسانة قادرة على معرفة وفهم ذاتك، واكتشاف نقاط الضعف والقوة بداخلك، وأن تكون لديك جرأة قراءة المشاعر.
ثانيا: أن تتحملى المسئولية فى علاقتك بالآخرين
ثالثا: أن تكونى متعاطفة ومتسامحة ومتفهمة للمشاعر
رابعا: أن تكونى إيجابية - متفائلة - لا تخافى من الفشل ولا من العوائق وأن تتعلمى أن الصعاب تخلق التحديات.
خامسا: أن تكونى إنسانة عاشقة للعبة التغيير والتجربة، وأن تكونى متقبلة لنقد الآخرين لك.. لأن هذا يدل على أنك تسعين للأفضل.
سادسا: تعلمى أن تكونى متسامحة - لا تحملى حقدا ولا غلا ولا تنشغلى بكراهية الآخرين. إذا طورت من إنسانيتك.. وتعلمتى ألا تكونى محور ذاتك ولا تدورى فى فلك نفسك فحسب، فهذا يعنى أنك وضعت قدميك على أول خطوات الذكاء العاطفى.
الذكاء ليس بدعة.. والعاطفة بداخلك. فقط دربى نفسك عليه وستنجحين !!