الأمل روحالحياةالله أنعم على الناس نعمتان لا يطيب بدونهما العيش ،
ولا يبلغ بدونهما العمر :
النسيان والأمل .
فالأملهذا المفهوم الواسع الذي يكمن فيه مدد الرجاء وتندمل به الجفون القريحة ،وتلتئم به القلوب الجريحة ، فلا نبتئس اذا ما تكدرت صفوة أيامنا بعض السحابات
العابرة من عثرات الدهرفلا بد معها بصيص منالأملالموعودفطير الكروان يموت فرخه في المساء ، وفي الصباح يرقص ويصدح ،والشاة يذبح حملها في الحظيرة ، وفي المروج تعثوا وتمرح ،
والوالد يتعبه بعد ولده لكن لا يكل ولا يمل ، كما يعيش النهر الناضب
في
ارتقاب الفيضان
والروض الذابل في انتظار الربيع .
أما النعمة الثانيةنعمة النسيانفماذا كان يصنع الأسى بالقلوب الوالهة إذا لم يمح النسيان
من الذهن صورة الحبيب الراحل أو الهاجر فلنتصور دوام هذه النار على
نياط القلب وأعصاب الجسد ، ثم نقَدَّر في أنفسناالحياةعلى هذه الصورة ،
لكنها والحمد لله لا تدوم ، ولا يبقى من المفقود إلا صورة لا تنطق ، ولا من
الجراح إلا ندبة لا تحس .
وماذا كان يفعل اليأس بالنفوس المكروبة إذا لم يفتحالأملأمامها فرجة
في الأفق المُطْبق ، وفسحة من الغد المجهول
ما الذي يدفع الزارع إلى الكدح والعرق؟ إنه أمله في الحصاد ... وما الذي
يغري التاجر بالأسفار والمخاطر ومفارقة الأهل والأوطان ؟ إنه أمله في الربح ...
وما الذي يدفع الطالب إلى الجد والمثابرة والسهر والمذاكرة ؟ إنه أمله
في النجاح ... وما الذي يحبب إلى المريض الدواء المر ؟
إنه أمله في العافية .... وما الذي يدعو المؤمن أن يخالف هواه ويطيع ربه ؟
إنه أمله فيرضوان ربه وجنته ...
فالأمل ـ إذاً ـ قوة دافعة تشرح الصدر للعمل وتخلق دواعي الكفاح من أجل
الواجب، وتبعث النشاط في الروح والبدن، وتدفع الكسول إلى الجد ،
والمجد إلى المداومة على جده ، كما أنه يدفع المخفق إلى تكرار المحاولة
حتى ينجح ويحفز الناجح إلى مضاعفة الجهد ليزداد نجاحه.
لذلك يكونالأملالذي نتحدث عنه هنا ضد اليأس والقنوط ، إنه يحمل معنى
البشرى وحسن الظن ، بينما اليأس معول الهدم الذي يحطم في النفس
بواعث العمل . ويوهى في الجسد دواعي القوة . وفي هذا المعنى قال الشاعر:
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما
أضيق العيش لولا فسحة الأمل
فالأمل لابد منه لتحقيقالتقدم في كل المجالات ، فلولاه ما شيدت الحضارات
ولا تقدمت العلوم والاختراعات ، ولا نهضت الأمم من كبوات تصيبها ، ولا
سرت دعوة إصلاح في المجتمعات ، وقديما قال بعض الحكماء :
لولاالأملما بني بان بنيانا ، ولا غرس غارس غرسا .
فلا نكل أو نمل إذا كان في يومنا هذا قنوط ، ففي غدنا الآتي