بسم الله الرحمن الرحيم
عند رغبتنا في إحضار كتب مناسبة لأطفالنا، كيف نختار الكتاب المناسب للسن المناسب من عمر فلذات أكبادنا؟.
ونحن تسعي لتوفير ما يحتاجه فلذات أكبادنا من طعام وشراب وملبس الخ لا يغيب عن بالنا كذلك توفير ما يغذي عقولهم. فتلك ـ أيضاًـ حاجة/ ضرورة مثل تلك الحاجات/الضرورات. فقد ينحو البعض إلي عدم إعطاء أي كتاب للصغير ريثما يكبر، ويدرك قيمته، ومن ثم يقوم بقراءته بنفسه غير عابث به كما قد يفعل في مراحل عمره الأولي.
لكن إذا ما عودنا صغارنا اعتبار الكتاب عنصرا من عناصر التسلية وإضفاء البهجة فسوف نغرس فيهم ملكة القراءة والأنفتاح مستقبلا علي عالمها الرحب الفسيح، وبخاصة أننا أمة المعرفة، والوحي المعصوم الخالد الذي صُدر بـ: \"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ\"(العلق:1-5).
وتشير الدراسات إلي أن أطفالنا يحصلون علي نحو 75% من معلوماتهم عن طريق البصر، و13% منها عن طريق السمع ، و6% منها عن طريق اللمس ، و3% منها عن طريق الشم ، و 3% منها عن طريق التذوق. وهم يضاعفون من قوة التعلم لديهم خلال النصف الثاني من عامهم الأول، وعلي مدي فترة طويلة من عامهم الثاني لتستمر معهم مدي الحياة. فينبغي توفير الوقت اللازم للعناية بأطفالنا، ومشاركتهم سبل تواصلهم وتوسيع مدركاتهم ومنها اللعب والاهتمام باختيار لُعبهم المناسبة لأعمارهم، فاللعب قبل أن تكون وسيلة ترفيهيةـ وسيلة تربوية تعليمية وتثقيفية هامة في تعهد القدرات الثقافية العقلية لدي أطفالنا.
الكتب تتفق وميولهم وسنهم
تتابين درجات وإتجاهات وميول أطفالنا فيما يتعلق بالكتب التي يريدون الإطلاع عليها، وذلك حسب أعمارهم وهواياتهم ومستويات ذكائهم وإدراكهم. وبالمقابل لا ينبغي إرغامهم علي القراءة عندما لا يحلو لهم ذلك فنحاول إقناعهم بأنها واجب ينبغي القيام به، أو إعطائهم كتباً لاتتفق مع ميولهم ورغباتهم.
أطفالنا من 8 أشهر- سنتين
في هذه الفترة يتعرف الطفل علي عالمه الواسع المحيط به. فيناسبه الكتب المغلفة/ غير القابلة للتمزيق التي تحتوي علي الصور المكبرة لما يراه ضمن محيطه. فالطفل عن طريق النظر ـ بإهتمام وشغف ـ إلي الصور سيتعرف علي خصائص الأشخاص أو الأشياء، وسيتعلم أن لكل شيء يراه اسماً.
وقد يعمد الصغير إلي: طي أو تمزيق أو إتلاف الكتب والصفحات والصور، أو وضع الورق بين شفتيه ومحاولة مضغها..أفعال تعتبر، بالنسبة له، مزيدا من التعرف الحسي/ والتواصل الفعال مع عالمه المحيط به. بيد ان مداومة نهره ومنعه من ذلك قد يولد لديه رد فعل عكسي يتمثل في الكره والعزوف عن حب الكتب، ومن ثم يفتقد أسس ملكة القراءة اللاحقة. لذا فمعاملته برفق، وتعليمه المحافظة والإهتمام بالكتب، وإعطائه المجلات القديمة وغير الضارة به، وتركه يفعل بها مايشاء، وما يحلو له.
أطفالنا من 2-4 سنوات
كتب من ورق مقوي قبل للتحمل.. ومصورة. وصور الكتب تملأ الصفحة، وتذيل بقصة قصيرة أو أنشودة صغيرة بسيطة ومناسبة، نابعة من البيئة، وحيواناتها وطيورها وأشجارها الخ. كي تنمو العلاقات العاطفية والانفعالية، وتراكم الخبرات الحسية والذاتية بينهم وبين بيئتهم بصورة مستمرة وسليمة. ومن ثم يتم القيام بقراءة القصص والأناشيد للصغير، وقص عليه وماوراء هذه الصور والحكايات من وقائع وأحداث بسيطة وقيم وتوجيهات سهلة يراد تراكمها وتمثلها لاحقاً الخ.
كما ينبغي الإبتعاد عن قص كل ماهو مؤثر مخيف أو باعث علي الفزع مثل الحكي عن الذئاب المفترسة، ووحش تحت السرير، وعفريت في دولاب الملابس، وثعبان يلتو يهاجمهم، وساحرة شريرة تتعقبهم. وبث الرعب من الصراصير والفئران أو من الظلام أو إخافتهم باستدعاء العسكري أو الحرامي أو الغول أو إعطاءه حقنة أو تركهم لمشاهدة أفلام مرعبة أو خرافية قاسية الخ. مما يهيئ تسريب الخوف/ المخاوف إلي نفوس أطفالنا فضلا عن أن تزيد مما لديهم من مخاوف قاموا \"بخلقها/ وتخيلها بأنفسهم\"، فتزورهم أطياف تلك المخاوف ليلاً في إحلامهم فتنقلب إلي \"كوابيس مزعجة\"، يضيع معها هناء النوم الصحي.
أطفالنا من 4-6 سنوات
في هذه المرحلة ينمو ذهن وخيال أطفالنا بقوة، ويبدؤون في تحديد ميولهم، وتظهر رغباتهم وإهتماماتهم بالمجلات الأسبوعية/ الشهرية الخاصة بهم، والتي تحوي العديد من القصص وأبواب القراءات التاريخية والعلمية، ونواحي التأمل في الطبيعية والمخلوقات وكذلك أنواع الألعاب المختلفة والتسالي و\"الفوازير\". فيلزم الإجابة الدائمة والمناسبة والبسيطة عن أسئلتهم الخاصة بمناشط حياتنا اليومية وأثناء القيام بها. وينبغي توفير كتب ومجلات تتسم بالوضوح والصفاء والألوان الزاهية، وتوفير ما يساعده علي رسم بعض الصور وتلوينها وتنمية ذكاءاته في الألعاب الخاصة بذلك. وسعتبر أطفالنا أن القراءة شيئا حيويا وضورريا ومفيدا كونها مسلية ومبهجة. وغداا ستكون وسيلة للتعلم والتثقف والعمل في آن معا.
صفوة القول: ليست القراءة والتطواف عبر الصفحات من الأمور الخاصة بالكبار فقط. فإذا أرنا أن ننمي مواهب أطفالنا الثقافية فلابد من البدء معهم منذ الطفولة الباكرة. ومن المعلوم أن الحواس هي مُدخلات العلم والمعرفة، وهى المسئولة عن تشكيل المدركات والأفكار وتنشيط عمليات التفكير والتدبر، وعليه تقع مسئولية توجيه حواسه. فينبغي ـ بجوار توفير المتطلبات المادية التي تبني وتغذي أجسام أطفالناـ تهيئة الظروف الأسرية والبيئية التي يسودها الاستقرار النفسي والاجتماعي، الباعثة علي تغذية وتنمية ملكات التثقف والوعي والتأمل والتدبر والاستيعاب والثراء الفكري. فكُـتب أطفالنا كأطعمتهم، وعمليات تربيتهم وتنشئتهم ـ المباشرة وغير المباشرة ـ يلزمها تعهدهم بالحدب والرعاية، ومتابعة أنشطتهم العلمية والتعليمية، واستثمار وتوجيه أفكارهم لحسن التحكم في سلوكياتهم. فالطفل نتاج وراثته، وهو ابن بيئته، فبإستثمار هذين الجانبين نحقق لفلذات أكبادنا نموا بدنياً ونفسيا وعقياً وفكريا صحياً وسليماً.