تشكل ولادة طفل حدثاً كبيراً في حياة الأُم، لا يمكن الإحاطة به ببضع عبارات أو أفكار. ويمكن القول إنّ حياة المرأة تتغيّر جذرياً بعد أن ترزق بطفل، لأنّ الطفل ينقلها من مرحلة إلى أخرى، مختلفة تماماً، ويهبها مجموعة كبيرة من المشاعر التي لم يسبق لها أن عاشتها، والتي تغيّر كيانها وتغنيه. في المقابل، يجب على الأُم أن تعي أن وجود هذا الكائن الصغير مرتبط بوجودها، ونموه العاطفي والعقلي والسلوكي يتوقّف عليه أوّلاً وأخيراً.
إنّ أعظم هدية يمكن أن تتلقاها الأُم هي الطفل، فمنذ اللحظة التي تحمل فيها هذه المعجزة بين يديها، سيصبح عالمها أوسع وأغنى، وستختبر فيضاً من المشاعر، بعضها رائع ومفرح، والبعض الآخر مربك ويثير الشكوك حول إمكانيتها في تلبية احتياجات المولود الجديد.
من الصعب وصف المشاعر التي تجمع بين الأُم والطفل. وقد تؤدِّي هذه المشاعر بالأُم إلى البكاء أحياناً، عندما يبتسم الطفل لأوّل مرّة، وتشعر بالفخر عندما يتفوه بأوّل كلمة، ويأخذ قلبها بالخفقان فجأة، عندما تراه يحاول الوقوف على قدميه ثمّ يقع. كل هذه المشاعر دليل على العلاقة الفريدة المتبادلة بين الأُم والطفل.
- الهبة التي يمنحها الطفل للأُم:
مع أنّها بسيطة، لكن الهدايا التي يقدمها الطفل للأُم هي فعالة بدرجة كافية لتغيير حياتها للأفضل. منها:
* الحب: منذ لحظة الولادة، تصبح الأُم مركز الكون بالنسبة إلى الطفل. فهو يمنحها الحب من دون تردد أو طلب منها. وكلّما كبر، زاد حبه لها، وهو يعبر عنه بطرق عدة، من إغراقها بابتساماته إلى إعجابه بها وإلى رغبته الصادقة في إسعادها.
* الثقة: يؤمن الطفل إيماناً قاطعاً بأُمّه. فهي قوية في نظره، وقادرة، وجبارة، وحكيمة. ومع الوقت، يظهر كل هذه الثقة بالتعبير عن شعوره بالراحة لوجودها بقربه، وبالتحدث عنها أمام الآخرين بإعتزاز وفخر عندما يصبح قادراً على ذلك. كما أنّه يلجأ إليها أحياناً، للاحتماء بها عند شعوره بالخوف، يثق الطفل بالأُم لتحافظ على أمنه.
* الإثارة: إنّ وجود طفل في حياة الأُم يمنحها فرصة فريدة لإعادة اكتشاف كم هي ممتعة ومثيرة حياة الطفولة. ومع أنّها لا تستطيع أن تحياها ثانية من خلال طفلها، إلّا أنّها تستطيع أن تقاسمه متعته وهو يستكشف العالم. ومن خلال ذلك، ستكتشف أنّها تمتلك قدرات ومواهب لم تفكر يوماً في أنّها تمتلكها. وبأن مشاعرها العارمة التي أصبحت مقرونة بوعيها الذاتي، ستساعدها على تنمية قدرتها لتلعب وتتفاعل مع طفلها وهو ينمو ويكبر.
- الهبة التي تمنحها الأُم للطفل:
يمكن للأُم تقديم العديد من الهدايا الحيوية والأساسية، وهذا ما يجعل منها أُمّاً حقيقية ومثالية. أمّا بالنسبة إلى الطفل الذي يتلقاها، فهي تجعل منه إنساناً صحياً، وسعيداً، وقادراً على مواجهة الحياة عندما يكبر. من هذه الهدايا:
* الحب: يجب ألا يكون حبّ الأُم لطفلها مشروطاً، أو مقروناً بشكله أو تصرُّفاته. وألا يستخدم كجائزة أو عتاب. على العكس، يجب أن يكون دائماً ومستمراً، خاصة عندما يسيء الطفل التصرُّف، حيث يكون في حاجة إلى وضع حدود تصرُّفاته أو تصحيحها. كما يجب أن يبقى الحب بعيداً عن مشاعر الغضب، أو الإحباط من تصرُّفات الطفل. إذ كلّما شعر الطفل بأمان أكثر نتيجة حبّ الأُم له، زادت ثقته بنفسه، وهو ما يحتاج إليه في حياته المستقبلية.
* احترام الذات: من أهم الهدايا التي يمكن أن تقدمها الأُم لطفلها، مساعدته على تطوير احترامه لذاته. وهي ليست عملية سهلة أو سريعة النتائج. فقد يستغرق الأمر سنوات قبل أن يتمكن من امتلاك هذه الميزة. لذا، فإنّ الطفل في حاجة إلى دعم الأُم الثابت والدائم، وإلى تشجيعها له لإكتشاف قدراته. إنّه يحتاج إلى ثقة أُمّه به، تماماً بقدر حاجته إلى ثقته بنفسه. لذلك فإن منحه الحب، وتمضية وقت معه، والإصغاء إليه، والثناء على إنجازاته كلّها جزء من عملية احترام الذات. من ناحية أخرى، إنّ مساعدة الطفل للتغلّب على تصرُّفاته السيِّئة، لا يكون بالعقاب أو التأنيب، ولكن بطريقة بناءة، الأمر الذي يساعد الطفل على احترامه لذاته.
* القيم والتقاليد: سواء حاولت الأُم نقل قيمها ومعتقداتها إلى طفلها أم لم تفعل، فمن المحتم أن يتشرب بعضاً منها خلال العيش معها، وعبر مشاركته في الشعائر والتقاليد العائلية. ليس من العدل أن تطالب الأُم طفلها بالالتزام بكل معتقداتها، لكنّها تستطيع أن تبينها له بإخلاص ووضوح، وباهتمام كبير، بما يتلاءم مع سنّ الطفل ودرجة نضجه وتفكيره. عليها أن تشجعه وتقوده، لا أن تكتفي بإصدار الأوامر، وأن تطرح عليه الأسئلة وتناقشه في كل ما يتعلق به، عندما يصبح قادراً على التعبير عن نفسه، بدلاً من إجباره على الالتزام بما تمليه عليه. إنّ الطريق إلى تطوير القيم ليس ممهداً وخالياً من الصعاب، فهو يتطلب مرونة مبنية على أسس ثابتة.. ومع أنّ الطفل يختار قيمه ومبادئه بنفسه، لكن يعتمد على الأُم لتمنحه الأساس عبر أفكارها، والأهم أعمالها وأفعالها.
* متعة الحياة: لا يحتاج الطفل إلى تعليم ليكون مرحاً، وخاصة في حضور الطفل، كلّما كان أكبر سعادة وإقبالاً على الحياة. وغالباً ما يعبر عن حماسه وحيويته من خلال كونه متنبهاً وفضولياً، وراغباً في اكتشاف أماكن وأشياء جديدة، ومتشوقاً إلى فهم العالم من حوله والاندماج مع أشخاص، ومفاهيم، ومدارك جديدة. على الأُم أن تتذكر دائماً، أنّ الأطفال يختلفون بإختلاف طباعهم: بعضهم مفعم بالنشاط والحيوية، والبعض الآخر صعب المراس، بعضهم يحب الضحك واللعب، والبعض الآخر جدي وهادئ، كما أنّ هناك أطفالاً متقلبي المواج، وأن كل طفل يعبر عن فرحته بطريقته الخاصة، عليها أن تكتشف هذه الطريقة.
* الصحة: تعتمد صحة الطفل بشكل أساسي، على الاهتمام الذي توليه الأُم له خلال السنوات الأولى من عمره. وذلك بعرضه على الطبيب بانتظام، خاصة في الأشهر الأولى، وحمايته من الخطر وإبعاده عن كلُّ ما يمكن أن يتسبب في أذيته، وبتقديم طعام صحي له، وتشجيعه على اللعب وممارسة الرياضة عندما يصبح ما بين سنّ الثانية والثالثة.
* محيط آمن: على الأُم أن توفر الأمان والراحة لطفلها في المنزل، وهذا يعني ألا تهتم فقط بأن يكون المنزل دافئاً ومليئاً بالألعاب، بل أن يكون آمناً من الناحية العاطفية، والأهم أن يكون محصناً بأكبر قدر من التماسك والحب، وأقل قدر من الضغط والإنفعال. إذ إنّ الطفل يتأثر جدّاً بالمشاكل العائلية التي تقع بين أفراد العائلة، وقد تسبب له الاضطراب والخوف. لذا، من المهم حلّ المشاكل، حتى الصغيرة منها، مباشرة وبأسرع وقت ممكن، وذلك بالتعاون معاً على حلها. إذا كانت العائلة سعيدة، فهذا يوفر بيئة صحية للطفل، ويعزز تطوّره، ويساعده على تحقيق كل آماله وتوقعاته. إنّ تعامل الأهل بشكل فعال مع النزاعات والخلافات، يزيد من قدرة الطفل على حل خلافاته في المستقبل، بالطريقة نفسها.
* المهارات والقدرات: يمضي الطفل معظم أوقاته، خلال فترة نموه، وهو يطوّر ويحسن مهارات وقدرات مختلفة في كل مجالات الحياة. وعلى الأُم مساعدته على تحقيق ذلك من خلال تشجيعه وتزويده بالآلية اللازمة والتعليمات التي يحتاج إليها، مثل الكتب والمجلات، وفريق ليلعب معه. ولكن إحدى أهم أدوات التعليم هي الأمان، حيث يتعلّم الطفل بشكل أفضل عندما يكون آمناً، وواثقاً بنفسه، ومحبوباً، وعندما تقدم له معلومة بأسلوب يمكنه من التجاوب معها بشكل إيجابي. وأفضل وسيلة لتقديم المعلومات هي اللعب. فالأطفال يتعلّمون الكثير جدّاً من خلال اللعب، خاصة مع الأهل والرفاق الجيِّدين. وهناك معلومات يستطيع الطفل تعلمها من خلال الخبرة الفعلية، وذلك بتعريضه لأماكن جديدة وأشخاص جدد، وأنشطة وخبرات جديدة. كما يمكن اكتساب معلومات جديدة من الحكايات، الكتب والمجلات المصورة؟ ومن خلال المراقبة، مراقبة الأُم أحياناً، أو أطفال آخرين، أو أشخاص كبار أحياناً أخرى.