خاص- ربحي إبراهيم - قضية مُصفاة البترول...لا تزال هي الحدث الأبرز عندما نَستعرض قضايا الفساد بالأردن ، وذلك لِما أحاط بهذه القضية من تغطية إعلامية غير مسبوقة ،، وإِنشغال الرأي العام بها ، ومَنع النشر الذي أدى إلى إثارة الجدل حول مكنونات هذه القضية ، ولا يزال الكثيرون يَرَون أنها لا تعدو كونها تصفِية حسابات شخصية ، ولا ترتَقِي إلى مُرتكزات مادية مما يفقدها الأهلية الشرعية لأن تكون قضية أصلاًًًَ كونها لم تنتَقص من أموال الخزينة ، وذلك بخِلاف المُتعارف عليه عندما نتحدث عن قضايا الفساد بشكل عام ، فهي في مُجملها تتحدث عن عطاءٍ لم يتم ، ونية غير مقرونة بالأفعال ، وتضاربت فيها وجهة نظر أساتِذة القانون وكلاء الدفاع مع حُكم قضاء أمن الدولة ، وقد زاد من غموض هذه القضية أن لجنة التمييز كانت قد أسُتبدلت بمحض الصدفة قُبيل تحويل ملف القضية إليها بفترة وجيزة.
والمزيد من الحقائق والأمور تتكشف عندما نقوم بدراسة تفصيلية للوقائع التي رافقت هذة القضية ، قفد قامت الحكومة الراحلة وفي سابقة خطيرة تفرضُ تَغَول السُلطة التنفيذية على السلطة القضائية بكف يد القضاء المدني وتحويل ملف القضية إلى أمن الدولة بحُجة أنها تعتبر من الجرائم الإقتصادية وذلك بمُجرد صدور قرار من هيئة محكمة شمال عمان بتكفيل المتهمين الأربعة بالقضية ،وعليه ورغم حصولهم على إخلاء سبيلهم بالكفالة فقد أَمر مُدعي عام أمن الدولة بالإستمرارفي توقيفهم قبل أن يقوم بالإستماع إليهم أو حتى توجيه التُهمة إليهم مما أثار حفيظة الكثيرين الذين إعتبروا أن ذلك يشكل إساءة لسمعة القضاء بشقيه المدني والعسكري ، ومنذ ذلك الوقت فقد أُخذت هذه القضية منحاً جديداً.
((ومن المعروف أن محكمة أمن الدولة هي محكمة خاصة وبالتالي فأنها ترفع يد الإنتربول الدولي عن ملاحقة المُتهمين والفارين من العدالة خارج الأردن، وعليه فإنهُ كان من الحكمة بمكان التريث قبل تحويل ملف القضية وإعطاء القضاء المدني الفُرصة لإستكمال ملف هذه القضية التي شرع بدراستها )).
ولكن ما لم يكُن بالحسبان وقع المفاجأة على الصدى المحلي والإعلامي والرأي العام أيضاً ، بصدور لائِحة الإتهام خالية من أي مَساس مادي بأموال الخزينة وكأن الفساد الذي إبتدأ بعطاء هو الأكبر على مستوى الأردن ليصل إلى 2 مليار دولار قد عاد إدراجه لِيتَمخض الجمل فيلدَ فأراً ، حيثُ أن من المفهوم أن الجرائم الإقتصادية تَحتم مُصادرة الأموال التي تُصبح محلاً للجريمة كما هو الحال بقضايا البورصة مثلاً و التي تعطي الحق للمحكوم عليهم بدفع بدل الضرر المادي الذي ألحقه بالغير حتى يحصل على العفو الخاص به ويعلق ملفه ، ولكن ذلك ما لا ينطبق على قضية مصفاة البترول حيث لا ضرر مادي قد حصل ، فلماذا إذن إعتبرت هذه القضية جريمة إقتصادية..؟؟
وما بين مهاترات وإدعاءات ،، وإنشغال المحكمة بالإستماع إلى إثني وعشرين شاهداً لتأكيد صدور الكتاب الذي كان دولة الرئيس السابق نادر الذهبي قد إستبدَل فيه الكتاب الأول مع إبقاء نفس الرقم والتاريخ والموضوع أيضاً!!! لكن بفتح مدة العطاء ، وأن هذا الكتاب الجديد الذي إصطلَح على أن إخفاءهُ يُشكل نية في الرشوة ، ولكن هذه النية جاءت مفرغة من محتواها حيث تم إلغاء العطاء بتاريخ 14/12 مما يجعل من اللامعقول إدراك أمر مُستقبلي بأن المُتهمين قد إعتمدوا تاريخ 31/12/2009 موعداً لإغلاق العطاء وإِغفال كتاب دولة الرئيس الجديد لإثبات نية الرشوة لديهم ومن هنا فإن قرار تحويل الملف إلى هيئة الفساد كان الأجدر به إنتظار تاريخ إستحقاق الجرم وهل كان هنالك جرم سيقع أم أن التبؤات أصبحت تحل محل الأفعال !! وسيكون لدى دولة الرئيس المدة الكافية عندها لإيقاف سير العطاء وعدم المُصادقة على إحالته التي تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء أصلاً.
ولم تكن الحكومة الراحلة بمنأى عن حيثيات القضية ومنذ بداياتها ، بل كانت مطلعة ً أيضاً على إجراءات سِير العطاء كما هو الأمر بالنسبة لشركة إنفرامينا العائدة لشاهين ، ولكن أين يقع دور المُستشار الإقتصادي محمد الرواشدة من ذلك ؟!
فدوره بمتابعة تنفيذ مضمون ما جاء به الكتاب الذي أسبقنا الحديث على إخفاءه يأتي بعد الإحالة وليس قبلها ، ومع إفتراض وجود النية بالرشوة لديه فإن ذلك لا يكون إلا بعد تاريخ 31/12 عند صدور قرار الإحالة بدون فتح المدة ، مما يعني أيضاً أن النية لم تقرن بفعل يؤكد على ثبوتها أصلاً، وأن رئيس مجلس الإدارة في خضم ما جاء في مذكرة دفاعه لم يكن عازماً على إغلاق العطاء بتاريخ 31/12/2010 أو إِغفال ما جاء بكتاب دولة الرئيس ، فكيف يستطيع المُستشار الإقتصادي متابعة التنفيذ لقرار لم يحصل بعد ، ولم يستحق موعده ، ورغم أن دوره بالعطاء ثانوياً ، فهو لا يملك حق التصويت على الإِحالة ولا حتى حضور جلسات مجلس الإدارة للمُصفاة فقد حكم عليه بالسجن 3 سنوات !!!.
وتتابع الأحداث ،،، لتضيف المزيد من المساحة المضللة والشوائب على مسرح هذه القضية ،، فقد تمكن خالد شاهين المحكوم الرئيسي في القضية ( بالرغم من إصراره على برائته من تُهمة الرشوة جملةً و تفصيلاً ) من الإنتقال من سجن سلحوب إلى مستشفى الخالدي لإستكمال علاجه من الأمراض المزمنة التي يعاني منها ، حيث أن بقاءه في السجن بات يشكل خطراً حتمياً على حياته ، وانه بحاجة إلى عناية حثيثة ودائمة في المستشفى من قبل أطباء أخصائيين ، (( ويذكر أن شاهين كان سابقاً قد رفض مغادرة السجن للعلاج وطلب منه التوقيع بتحميله المسؤولية الشخصية عن ذلك خلال فترة توقيفه في الجويدة ، وعندما عادته الحالة الصحية السيئة في سجن سلحوب نقل على أثرها إلى مستشفى خاص بناءاً على طلبه وعلى حسابه ، ويبدو أنه فد غادر السجن إلى غير رجعة )) ....
ولكن الحدث الجلل الذي أعاد إلى الأذهان قضية مصفاة البترول بزخم جديد ، هو مغادرة شاهين البلاد للعلاج في الخارج بعد ورود تقرير يُفيد بعدم إمكانية علاجه بالأردن وقد نَشر التلفزيون الأردني تقرير يبين قانونية هذا الإجراء ، وأن الإنسانية تقتضي إعطاءَ الأولوية للعلاج إذا تعارضت مع البقاء في السجن وعلى هذا إبتدأَت قصة جديدة وفُتح ملف أخر...
لكي لا نُطيل بالمقال ،، وعوداً على بدء فقد تسربت بعض الإشاعات التي تُفيد بأن متهما أخراً في طريقِه للخلاص ، وهو المُتهم الرئيسي الثاني في القضية و إحتمالية شمولة بالعفو على إعتبار أنه سبعيني ، ولكن مع كل الإحترام و التقدير لهذا الرجل الذي عُرفت عنه النزاهة والأيادي البيضاء في مسيره حافلة بالعطاء لما يزيد عن 50 عاماً ، شغل خلالها مناصب عدة أبرزها وزيراً للمالية وحقائب وزارية أخرى ، قبل أن يشغل منصبه الأخير كرئيس لمجلس إدارة مصفاة البترول ، فإن هكذا إجراء يجعل هذه القضية كالعود الهش الذي تذروه الرياح ، فهذه الحلول المجزئة ليست إلا إبر تخدير تخفف الألم ولا تزيله ، وقد يُساء فهمها لدى الرأي العام أيضاً مما يضع الحكومة في حرج مستمر خصوصاً وأن من سيبقى في السجن سيتجرع كأس المرارة على أن لا يد له ولا حيلة ، ولا يشفي غليله أن يقال بأنه ضحية أو مظلوماً ، فهو محكومَ بالفساد ولا يبرأ قيده حتى وإن إنقضت مدة حكمه...
وفي مُلخص ما سبق فإن ما جاءت به هذه القضية والظروف التي أحاطت بها تستدعي وقفة تأمل وصراحة مع الذات ، فالجميع يرون أن الفساد يجب إِستئصالهُ ولا مهاودة معه ، ولكن بنفس الوقت يجب أن لا نستخدم الأبرياء وقوداً لمحاربة الفساد ،، ولعل في القريب العاجل صدور قانون العفو العام الذي يتوقع عدم شموليته لهذه القضية كونها تدخل ضمن محاربة الفساد ، مما يعني أن من سيبقى في السجن إذا صح التعبير سيتعرض للظلم مرتين : الأولى عندما حكم عليهبالسجن 3 سنوات وهو يرى نفسه بريئاً ، والثانية عندما حرم من شموله بالعفو رغم عدم إلحاقه ضرراً بالمال العام... وإذا كان العقاب يخص فإن الفرج يجب أن يعم ، وذلك مدعاةً إلى المساواة وعدالة لا مساواة فيها ليست عدالة.
إن عدالة القانون تحتم علينا إعادة النطر بالمعطيات التي أحاطت بهذه القضية ، خاصة ونحن في بلد الهاشميين الذين أسسوا منذ بدء الدولة الهاشمية قضاءاً لا يساوم على الحق ، وكرسوا للحياة الكريمة منهجاً مُشرفاً لكل الأردنيين أساسهُ رفع الظلم و إحقاق العدل ، ولأن إيماننا الراسخ بنزاهة القضاء لا يقبل المساومة عليه ، فإن إعادة المحاكمة للمتهمين في قضية المصفاة أمام القضاء المدني - الذي كان أهلاً لذلك منذ البداية - سيكون هو المخرج الآمن الذي يوصد الباب أمام الشائعات والشائبات في ظل حيادية السلطة وإستقلالية القضاء.
خالد الرواضيه
موضوع: رد: قضية مصفاة البترول ما بين العفو العام و إعادة المحاكمة ؟! 9/6/2011, 12:11
موضوع في قمة الخيااال طرحت فابدعت دمت ودام عطائك ودائما بأنتظار جديدك الشيق لك خالص حبي وأشواقي سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا اعذب التحايا لك
theredrose
موضوع: رد: قضية مصفاة البترول ما بين العفو العام و إعادة المحاكمة ؟! 9/6/2011, 13:43
تسلم يا خالد على المرور الرائع
قضية مصفاة البترول ما بين العفو العام و إعادة المحاكمة ؟!