منذ أن كنا صغاراً لا نملك أرصدة ولم نتعرض لخسائر ولم نفرح بأرباح ولم نجمع بعد ما يزيد عن عبوة حصالة صغيرة من العملة المعدنية التي جمعناها من عيدية جدة أو (شرط) من عجوز أو (تفريحة) من خالة، ليس من بينها ولله الحمد والمنة نقود مسروقة ولا دخل غير مستحق ولا (شرهة) غير (شرط) العجوز و(الشرط) لمن لا يعرفه في اللهجة القديمة هي عطية غير مشروطة فتقول العجوز (جدة أو خالة أو عمة) (تعال اشرط لك) ولم أجد معنى ولا تفسيراً لهذه التسمية اللهم إلا أن تكون شرط محبة وكسب ود، أي أنها (شرهة) نظيفة وعادلة.
أقول منذ ذلك الوقت ونحن نسمع ونحن صغار أن بنوك سويسرا هي الملاذ الآمن للأرصدة حيث لا تتعرض أرصدة الأثرياء ثراء فاحشا (الحصالات العملاقة) أو (هايبر حصالة) للحجر أو التجميد أو الكشف. وكنا نتساءل ببراءة (لماذا سويسرا؟!) بل ما هي سويسرا هذه وأين تقع؟!، كان الطفل من يحسبها في السلع وطفل السلع يظنها بين العين ودبي ويتساءل طفل العين ما إذا كانت حول المجمعة، عموماً لم يقلل من سعادتنا جهلنا بسويسرا آنذاك ولم نزدد سعادة بمعرفتنا بسويسرا اليوم فمعظمنا عرف موقعها وعرف مهيتها لكنه لا يودع في بنوكها بل ليس لديه من الأرصدة ما يخشى عليه من الكشف أو التجميد وهذا من أسرار السعادة الدائمة إلى جانب الإيمان وكنز القناعة.
اليوم كبرنا وعرفنا سويسرا وسر بنوكها لكن الأحداث كشفت لنا أن أمن الأرصدة في سويسرا الذي كنا نسمع عنه ليس إلا مجرد وهم وخيال مثل كل الأشياء التي كان أهلنا يخوفوننا بها مثل (**** القايلة) و(النمنم) و(المقرصة الحامية) وشيء ليس له وجود مثل العنقاء والخل الوفي فأثبتت بنوك سويسرا أنها ليست خلا وفيا ولا ملاذا آمنا للأرصدة المنهوبة، وأثبتت المحن أن جهلنا ونحن صغار ببنوك سويسرا لا يختلف عن جهل الكبار بالبنوك الحقيقية الآمنة وهي بنوك الحب في الداخل وأن الرصيد الوحيد الذي لا يمكن لأحد تجميده هو رصيد حب الشعب.
سويسرا أعلنت تجميد أرصدة زين العابدين بن علي قبل أن يقوم من مقامه، وجمدت أرصدة حسني مبارك قبل أن يرتد إليه طرفه،
والرصيد الوحيد الذي لا تستطيع سويسرا تجميده ولا أمريكا ضمانه
هو رصيد حب الناس، اللهم اجعلنا ممن يحبهم العباد في الله.